الدول العربية, التقارير, فلسطين, إسرائيل, قطاع غزة

إسرائيل و"مدينة الخيام".. قناع إنساني لتهجير الفلسطينيين (تقرير)

إسرائيل تسعى لإقامة "مدينة إنسانية" فوق ركام مدينة رفح، يراها محللون ستارا للتهجير تحت ضغط الحرب والجوع

Hosni Nedim  | 11.07.2025 - محدث : 11.07.2025
إسرائيل و"مدينة الخيام".. قناع إنساني لتهجير الفلسطينيين (تقرير)

Gazze

غزة / حسني نديم / الأناضول

- إسرائيل تسعى لإقامة "مدينة إنسانية" فوق ركام مدينة رفح، يراها محللون ستارا للتهجير تحت ضغط الحرب والجوع
- الكاتب مصطفى إبراهيم: ما يجري في رفح ليس مبادرة إنسانية بل معسكر احتجاز جماعي مموّه بثوب الإنسانية
- الكاتب إياد القرا: إسرائيل تستخدم "مدينة الخيام" كورقة ضغط تفاوضي وممر لتهجير الفلسطينيين

في أقصى جنوب قطاع غزة، وعلى ركام مدينة رفح التي سوتها إسرائيل بالأرض، تلوح أمام الفلسطينيين خيام جديدة لا تحمل أي بشائر نجاة، بل مشروع تهجير مقنع بغطاء "مدينة إنسانية" يراد لها أن تكون قبرا جماعيا مفتوحا.

ويرى محللون فلسطينيون في أحاديث للأناضول، أن ما تروج له إسرائيل ليس سوى فصل آخر من مخطط تهجير أوسع تحت غطاء "المساعدات" يسعى لإعادة هندسة الخريطة الديمغرافية للقطاع.

والاثنين الماضي، أماط وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اللثام عن ملامح خطة جديدة، تقوم على إقامة ما سماه "مدينة إنسانية" فوق أنقاض رفح المدمرة، مع نية لإنشاء 4 مراكز توزيع "مساعدات".

فيما قالت هيئة البث العبرية الرسمية، إن هذه الخطة ضمن مخطط واسع لتهجير الفلسطينيين خارج بلادهم، مشيرة إلى أنها ستقام بين محوري "فيلادلفيا" و "موراج" جنوب القطاع، بزعم الفصل بين المدنيين وعناصر الفصائل الفلسطينية.

ووفق الهيئة، تخطط إسرائيل لنقل نحو 600 ألف فلسطيني من غزة إلى المنطقة بعد إخضاعهم لفحص أمني صارم، على ألا يُسمح لهم لاحقا بمغادرتها، وهي منطقة ستخضع لتأمين الجيش الإسرائيلي الكامل.

** فصل قسري جديد

وتسوّق إسرائيل للمنطقة التي تعتزم إقامتها شرق رفح على أنها توفر "الحد الأدنى من مقومات الحياة" لعشرات آلاف النازحين، الذين اقتُلعوا قسرًا من شمال ووسط وجنوب القطاع.

غير أن المشروع الذي يقدَم بعباءة إنسانية، يراه مراقبون واجهة لخطة تهجير هادئة ووسيلة ضغط تفاوضي تمارَس على الفلسطينيين تحت وطأة الحرب والجوع وانهيار الخدمات.

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن ما يُسمى بـ"المدن الإنسانية" ليس سوى "معسكرات احتجاز ضخمة"، يُمنع المواطنون فيها من الخروج وتدار بقبضة أمنية وعسكرية، وكأنهم يزجون في جيوب مغلقة تمهيدا لإبعادهم عن المشهد بالكامل.

ويصف إبراهيم هذه الخطة بأنها "مفارقة صارخة"، إذ يجري تقديمها كـ"خيار إنساني"، بينما هي في جوهرها مجرد إعادة تغليف لمشروع التهجير بمصطلحات ناعمة، تهدف إلى تسويق الطرد الجماعي على أنه حل طوعي، لكنه شدد على أنها "لن تنجح".

ويشير إلى أن نتنياهو لم يخف مطلقا الهدف الحقيقي، حين قال أمام لجنة الأمن والخارجية في الكنيست: "نحن نهدم المزيد والمزيد من المنازل؛ ليس لديهم مكان يعودون إليه.. النتيجة الوحيدة المرجوة هي رغبة سكان غزة في الهجرة خارج القطاع".

ويرى إبراهيم أن هذا التصريح "كاشف للغاية ولا يترك مجالًا لأي التباس حول نوايا الاحتلال".

في 1 يوليو/تموز قالت مديرة العلاقات الخارجية بوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تمارا الرفاعي إن ما يسمى بـ"المدينة الإنسانية" التي تخطط لها إسرائيل "لا تمتّ للإنسانية بصلة".

وأضافت في منشور على إكس: "لا يمكننا الصمت أو التواطؤ مع هذا النزوح القسري".

واعتبرت أن حشر 600 ألف فلسطيني في ذلك المكان خلال المرحلة الأولى، ثم جميع سكان القطاع (البالغ عددهم مليونين و114 ألفا) داخل مساحة ضيقة تخضع لرقابة مشددة من القوات الإسرائيلية، "سيحول غزة التي كانت تعرف قبل ذلك بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم إلى السجن المفتوح الأكثر اكتظاظا ورقابة في العالم".

ومنذ الإبادة التي بدأتها إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، طُرحت داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية مقترحات متكررة لإقامة ممرات تهجير عبر سيناء، سبقها إعلان مناطق وُصفت بـ"الآمنة" في خان يونس ودير البلح، لكن تبين لاحقًا أنها كانت أهدافًا مباشرة للقصف الإسرائيلي.

كما كشفت صحيفة "كالكاليست" العبرية في أكتوبر 2023، عن وثيقة إسرائيلية مُسرّبة تُظهر خطة حكومية ثلاثية المراحل لترحيل الفلسطينيين إلى شمال سيناء، تبدأ بإقامة خيام مؤقتة، ثم فتح "ممر إنساني"، وصولًا إلى بناء مدن دائمة هناك.

وفي ديسمبر 2023، وخلال العملية العسكرية في خان يونس جنوبًا، طلب الجيش الإسرائيلي من الناس النزوح إلى رفح باعتبارها مناطق إنسانية، ثم استهدف الممرات التي ادعى أنها آمنة، مما أسفر عن مقتل مئات الضحايا.

** هدف استراتيجي

ويرى إبراهيم أن "التهجير ليس نتيجة عرضية بل هدف استراتيجي معلن، تسعى إسرائيل لتحقيقه عبر تفريغ الأرض من أهلها بالقوة أو بالخداع".

من جهته، يوضح المحلل إياد القرا أن مشروع "مدينة الخيام" في رفح يأتي في سياق مزدوج: "من جهة يُستخدم كورقة ضغط تفاوضي، ومن جهة أخرى يخلق واقع معيشي كارثي يدفع الفلسطينيين للهجرة لاحقًا".

ويؤكده القرا أن "ما يفكر به نتنياهو وبعض المحيطين به باليمين الإسرائيلي المتطرف، وهو إقامة مدينة خيام ضخمة في رفح لنقل مئات آلاف النازحين إليها، تحت رقابة أمنية مشددة، بهدف التمهيد لتهجيرهم لاحقًا".

وفي مايو/ أيار 2024 أعلن الجيش الإسرائيلي عزمه إقامة منطقة "آمنة" شرق رفح لاستيعاب النازحين من العمليات العسكرية جنوب القطاع، في محاولة للحد من التوتر الدولي بشأن الكارثة الإنسانية، لكن تقارير أممية ومنظمات حقوقية حذرت من أن هذه المناطق "ليست آمنة" بأي معيار.

ويقول إبراهيم: "ما يُروج له باعتباره نزوحا طوعيا لا ينفصل عن سياق الحرب والتجويع والقصف وانهيار مقومات الحياة، فالناس لا يفرون بإرادتهم بل يُدفعون قسرًا إلى المجهول".

وأشار إلى أن المشروع الجديد يُقدّم بخطاب إنساني منمق يتحدث عن توفير ماء وغذاء وخيام، في حين أن الواقع يشي بظروف معيشية بالغة القسوة، مع إخضاع الناس لنظام مراقبة أمني صارم وتقييد حرية تنقلهم.

وفي السياق ذاته، يستدعي إبراهيم نماذج أميركية سابقة، مشيرًا إلى أن إدارة ترامب ناقشت مقترحات لتحويل غزة إلى "ريفيرا سياحية" بعد تفريغها، واصفًا ذلك بـ"رؤية استعمارية مكتملة لا مكان فيها للإعمار أو العدالة، بل استثمار في الخراب".

ورغم شدة القصف ونقص الطعام والماء، أظهر الفلسطينيون برفح ومناطق النزوح رفضًا واضحًا لهذه المخططات، وعاد عشرات إلى خانيونس رغم المخاطر، وآلاف آخرون يتمسكون بالبقاء في ما تبقى من أحيائهم خوفًا من فقدانها للأبد.

** خيار اضطراري

ويرى القرا أن إسرائيل تعوّل على خلق واقع معيشي خانق يدفع الناس للهجرة كخيار اضطراري، في محاولة لتسويقها دوليًا كهجرة طوعية.

لكنه يضيف أن تجربتها بإدارة توزيع المساعدات عبر الشركة الأميركية كشفت عن عجز كامل في التعامل مع الحشود الجائعة، فلجأت للقتل كوسيلة للسيطرة عليهم، وهي غير مؤهلة لإدارة شؤون 600 ألف نازح في رفح.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بدأت تل أبيب وواشنطن منذ 27 مايو تنفيذ خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، حيث تجبر الفلسطينيين المجوعين على المفاضلة بين الموت جوعا أو برصاص الجيش الإسرائيلي.

ومنذ ذلك التاريخ، قتلت إسرائيل 773 من منتظري المساعدات الفلسطينيين، وأصابت 5 آلاف و101، إضافة إلى 41 مفقودا، وفق المكتب الإعلامي الحكومي.

ويخلص القرا إلى أن "إسرائيل تسعى لفرض وقائع ميدانية بالقوة لتفاوض عليها لاحقًا، فهي تضغط بالدم والدمار لا بالمنطق السياسي".

وأكد أن مخطط التهجير سيفشل كما فشلت المحاولات السابقة، مشددا على أن الرفض الشعبي الفلسطيني لهذا النوع من الحلول المفروضة، وغياب القابلية الجماعية لترك القطاع، يمثلان العقبة الحقيقية أمام تنفيذ المشروع.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل - بدعم أمريكي - إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة أكثر من 195 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.