أفريقيا

النظام الفدرالي في إفريقيا.. سلاح ذو حدّين (تقرير)

وعد الرئيس إدريس ديبي إتنو، خلال حملته الإنتخابية لرئاسية أبريل نيسان 2016، بالتوجه نحو النظام الفيدرالي، في مسار مضى في تفعيله إثر ذلك عبر إنشاء "اللجنة العليا للإصلاحات المؤسساتية"

İman Sehli  | 20.12.2016 - محدث : 20.12.2016
النظام الفدرالي في إفريقيا.. سلاح ذو حدّين (تقرير)

France

تونس/ محمد عبدلاوي/ الأناضول

يرى خبراء أن النظام الفدرالي يشكل الحلّ الأمثل للتعددية الثقافية في إفريقيا ونواة الإصلاح الأولى لمركزية الدولة، في حين يعتقد آخرون أن شكل الحكم هذا سيفاقم من جروح بلدان غير مستقرة، ضمن سياق إقليمي تتخلله الصراعات الطائفية.

الجدل بهذا الخصوص طفا إلى واجهة الأحداث من جديد في القارة السمراء، عقب احتجاج كاميرونيين ناطقين بالإنجليزية غربي البلاد، معظمهم من المحامين والأساتذة، ضد ما يعتبرونه "تراجعا تدريجيا" من قبل السلطات، عن إعتماد ثنائية اللغة (الفرنسية والأنجليزية) ضمن مناهج التعليم والإدارة و"تهميشهم".

ويطالب الكاميرونيين الناطقين بلغة شكسبير والذين يمثلون 20% من أصل 22 مليون كاميروني، بإعادة إرساء نظام فدرالي سبق وأن طبّق إبان الاستقلال في 1960 حتى 1972.

وكانت الكاميرون تتألف من منطقتين فدراليتين تقومان على أسس لغوية ورثتهما عن القوى الإستعمارية، هما: فدرالية غربي البلاد الناطقة بالإنجليزية ومنطقة شرقية فرانكفونية (ناطقة بالفرنسية)، عقب توقيع إتفاقية ثنائية بين إنجلترا وفرنسا، حظيت بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 13 ديسمبر/كانون أول 1946.

وبناء على هذا الإتفاق خضعت "الكاميرون الفرانكفونية" لهيمنة الإدارة الفرنسية وقوانينها، في حين إنساقت الكاميرون الخاضعة لسيادة بريطانيا لتشريعات الآخيرة.

وفي تشاد، وعد رئيسها إدريس ديبي إتنو، خلال حملته الإنتخابية لرئاسية أبريل نيسان 2016، بالتوجه نحو النظام الفيدرالي، في مسار مضى في تفعيله إثر ذلك عبر إنشاء "اللجنة العليا للإصلاحات المؤسساتية".

رغبة بعض الدول الإفريقية للقطع مع النظام الفدرالي أو إقراره للإلتحاق بدول تطبقه على غرار، السودان (1956) ونيجيريا (1963) وجزر القمر (1975) وإثيوبيا (1995) وجنوب السودان (2011) والصومال (2012)، دفعت عددا من المراقبين للتساؤل حول مدى قدرة هذا النظام السياسي على إصلاح أنظمة إفريقية قائمة على المركزية، ضمن سياق يرقد فوق صفيح مشتعل من الأزمات المرتبطة بالهوية والطائفية.

- الحل "الملائم" لهشاشة الدول:

أشيل مبمبي، الأستاذ والباحث بجامعة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا، أوضح للأناضول، بأن الفدرالية قادرة على تقديم حلول "ملائمة" لضعف الدولة العائد لعوامل سياسية واقتصادية، في ظل العجز على تحسين الوضع الإقتصادي وتحقيق معدلات تنمية مرتفعة، في العصر الحالي.

وتابع مبمبي: "في عديد البلدان الإفريقية، تلاشى نفوذ الدولة في جزء هام من مناطقها، عبر تقسيم المجال الوطني إلى أقاليم إقتصادية مختلفة يضم، الواحد منها، ثروات معينة (منجمية، زراعة، نفط، لوح وغيرها) يستغلها المحتكرون أو وكالات (أجنبية) مختلفة".

وأضاف: "تسيطر الدولة على جزء من الأراضي، في حين يخضع قسم آخر للمعارضة المسلحة، حيث تدير كل منطقة، بشكل مستقل، مصالحها الإقتصادية والمالية والدبلوماسية والعسكرية".

النظام الفدرالي يجمع "مقومات" احلال السلام في عدد من دول القارة السمراء وإدارة أفضل لشؤون مناطقها الداخلية، في حال تبنيه لـ "أسلوب عيش أمثل"، وفق مبمبي.

وبخصوص قدرة بعض بلدان القارة على الإيفاء بالمعايير الضرورية لإرساء جمهوريات إتحادية (فدرالية)، شكك الخبير في مدى نجاحها على تجميع "المزيج" الذي يتطلب "كيانات سياسية محددة جغرافيّا وضمانات دستورية لإستقلالية القرار ومشاركة مكونات الفدراليات في عملية صنع القرار إلى جانب الحكومة المركزية ضمن جمعية وطنية (برلمان) مكونة من غرفتين، علاوة على تعيين الكفاءات وحمايتها عبر نظام غير قابل للتغيير، وأيضا إقرار قانون إنفصال يكون غير أحادي الجانب".

ويخشى المفكر الكاميروني من "خلط محتمل بين الفيدرالية والقبلية" في مناطق يطالب السكان فيها بالتوزيع العادل للثروة، كما هو الحال في نيجيريا، هذه الدولة التي تعاني من نزاعات بين شمالها وجنوبها، وسط خلافات سياسية واقتصادية ودينية وعرقية خانقة.

- مخاطر تفكك المجال الوطني:

الخبير الجيوسياسي الفرنسي المتخصص في الشأن الإفريقي، ميشال غالي، يعتقد أن فرص إعتماد نظام فدرالي، في العصر الحديث، مرتبط بطبيعة الدول الإفريقية وهيكلة مؤسساتها.

وأضاف، في تصريح للأناضول: "بالنسبة للدول الناطقة بالإنجليزية التي كانت تخضع، في السابق، لبريطانيا، يعد المجال ملائما لنظام الحكم الفدرالي، رغم حجم العراقيل التي تلقي بثقلها. غير أن مسألة الإنتقال إلى نظام جديد ليست بمثل هذه السهولة في الدول الفرانكفونية التي تعتمد على المركزية، على المدى القصير على الأقل، على إعتبار أن مقومات النجاح ليست في متناول بعض الدول".

ورغم أن هدف "الفدرالية" يتمثل في إنشاء نظام موحد مبني على اللامركزية، إلا أن شكل الحكم هذا يمكن أن يشكل مخاطر مرتبطة بالهوية، من خلال تكريس منوال تنمية ونظام إداري على أسس طائفية.

فرضية تتخذ جذورها، بحسب الباحث، من الصراعات المسلحة بين المجموعات العرقية المتنازعة التي تخرج عن سيطرة الحكومات المركزية في العديد من المناطق الإفريقية.

ويعتبر غالي، إستناد على الواقع النيجيري، بأن الجدل الجوهري الذي يحيط بالحكم الفدرالي في القارة السمراء يكمن في إمكانية تفكك المجال الفدرالي المراد تشكيله، عبر"تغليب الإعتبارات العرقية".

ووفق تقارير الصحافة الإفريقية والدولية، تكشف الحالة النيجيرية صعوبات النظام الفيدرالي في إفريقيا.

وورثت نيجيريا هذه المستعمرة البريطانية السابقة التي تضم نحو 173 مليون نسمة وأكثر من 250 مجموعة عرقية، عقب إستقلالها في 1 أكتوبر/تشرين أول 1960، دولة فدرالية من 3 مناطق، سرعان ما تحولت إلى 19 منطقة، في 1976، ليستقر العدد على 36 ولاية و768 إدارة محلية عام 1999.

وتشير هذه التحولات المتعاقبة إلى دور الخلافات المبنية على أسس عرقية ودينية "معقدة وغير قابلة للاختزال" بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي والوثني، في تغذية "التحالفات"، الشاهدة على الأزمة الأمنية الراهنة التي تعصف بهذا البلد الإفريقي.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın