دولي, أخبار تحليلية

هل تصبح فرنسا "الإبنة البكر للكنيسة" من جديد؟

Leila Thabti  | 19.08.2016 - محدث : 19.08.2016
 هل تصبح فرنسا "الإبنة البكر للكنيسة" من جديد؟

France

باريس- بلال موفتوأوغلو- الأناضول

مقتل كاهن كنيسة "سان إتيان دو روفراي" بمدينة نورماندي الفرنسية، في الـ 26 من يوليو تموز الماضي، في هجوم إرهابي تبناه تنظيم "داعش"، يبدو أنه دفع بساسة البلاد من مختلف الأطياف والألوان، نحو إحياء الدور التاريخي للبلاد في العالم الكاثوليكي، متحدّثين بشكل متزايد عن "الجذور الكاثوليكية" لفرنسا.

تعاطف مع الكاثوليكية، أو ما يمكن تسميته بـ "الكاثوليفيليا" (حب الكاثوليكية)، بدأ ينتشر في الأوساط السياسية الفرنسية من اليسار إلى اليمين، وذلك منذ إعتداء نورماندي، إلى حدّ يعود بفرنسا التي تعتبر إحدى النماذج العلمانية في العالم، إلى صفتها التاريخية كـ "ابنة بكر للكنيسة"، بما أنّ هذا التعبير كان مكرّسا في العالم الكاثوليكي، فترة طويلة، للحديث عن فرنسا.

الكنيسة التي استبعدت رسميا من الحكم في فرنسا في 1905، تمتلك اليوم، وبشكل متزايد، وسائل التقرّب من الحكومة هذا البلد، وهو ما تجلّى من خلال الاتصالات الأخيرة مع الفاتيكان، والتي أجراها مؤخرا عدد من السياسيين الفرنسيين بهذا الصدد، بينهم الرئيس فرانسوا أولاند والرئيس السابق نيكولا ساركوزي.

فـ "اللقاء الخاص"، الذي جمع أمس الأربعاء، أولاند بالبابا فرانسيس، يشي بالتقارب بين باريس والكرسي الرسولي، ويستبطن بوادر طيّ صفحة التشنّجات المتفجّرة بين الطرفين، وخصوصا عقب اعتماد فرنسا لقانون "الزواج للجميع" (حق الزواج للمثليين) في 2013، إضافة إلى رفض البابا في 2015، تعيين الدبلوماسي الفرنسي، لوران ستيفانيني، الكاثوليكي المتديّن، والمثلي الذي لا يخفي مثليته، سفيرا جديدا لفرنسا لدى الكرسي الرسولي.

لقاء خاص من شأنه تأكيد "توثيق العلاقات"، بين فرنسا والفاتيكان، بحسب ما ورد في البلاغ الإعلامي للإليزيه، والذي ذكر أن "المواقف تتقاطع حول الأزمات ذات الصلة بالبيئة أو الهجرة، تماما مثل الإرهاب".



فرنسا تؤكّد دورها كـ "حامية" لمسيحيي الشرق

اللقاء بين أولاند والبابا هو الثاني منذ انتخاب الرئيس الاشتراكي الفرنسي في أيار/مايو 2012، وكان أعلن الاثنين الماضي، تزامنا مع احتفال الكاثوليك بعيد انتقال السيدة العذراء وخصوصا في مزار سيدة لورد الذي أحيط بتدابير أمنية مشددة بسبب التهديد الارهابي.

وأمام الصحفيين، قال أولاند إنه سيناقش مع البابا وضع مسيحيي الشرق، متطرّقا إلى "الآلام" التي يعانيها هؤلاء، خصوصا في كل من العراق وسوريا.

وأضاف أنّ فرنسا والبابا يتقاسمان "التوجّه ذاته" بالنسبة لمسيحيي الشرق، لافتا إلى أن بلاده تعتبر "من بين حماتهم".

تصريحات شبيهة بأخرى للرئيس الفرنسي، الأسبوع الماضي، حول مسيحيي الشرق، شدّد خلالها على الحشد والتعبئة الإستثنائية لبلاده: "قمنا بتعبئة استثنائية لمسيحيي الشرق"، يقول، "ونعرف الآلام التي يمكن أن يواجهوها، وأهمّيتهم للشرق الأوسط، ومدى مساهمتهم في تحقيق التوازن، والبابا مهتم بشكل كبير لكي لا يقع نسيانهم في خضمّ هذه الأزمة الرهيبة، وفرنسا أيضا".


أولاند "أخ" للبابا فرانسيس

أما من جانب الفاتيكان، فإن التدابير المتخذة من قبل الحكومة الفرنسية لحماية كنائس البلاد، أو التصريحات المؤثّرة لأولاند حيال الكاثوليك، لم تمرّ غير مرئية. فالفاتيكان بدا مثمّنا بشكل خاص للمحادثة الهاتفية التي جرت يوم الإعتداء على كنيسة نورماندي، بين البابا وأولاند، والتي أكّد من خلالها الأخير أنه "حين يستهدف كاهن، فكأنما قتلت فرنسا بأسرها".

بدوره، ذكر البابا إسم الرئيس الفرنسي في خطابه العام حول هجوم نورماندي، معربا عن "شكره الخاص لرئيس فرنسا (...) مثل أخ".

ومن الغد، لم يفوّت أولاند المشاركة، على رأس وفد رفيع المستوى، يضم بالخصوص رئيس الوزراء مانويل فالس ووزير الداخلية برنار كازنوف، في احتفال أقيم بكاتدرائية "نوتر دام" بباريس، تكريما لروح الكاهن القتيل في هجوم نورماندي، جاك هاميل.



طفرة في "الكاثولفيليا"

عيد انتقال السيدة العذراء، الإثنين الماضي، مثّل فرصة مفيدة انتهزها الساسة الفرنسيون، لإعادة التأكيد على أهمية الكنيسة، وعلى "الجذور المسيحية" لفرنسا، فيما حرصت الحكومة الفرنسية، من جانبها، على نشر غير مسبوق للوحدات الأمنية لتأمين مدينة لورديس، مركز الإحتفالات التي شارك فيها أكثر من 25 ألف شخص، كما حظرت، من بين إجراءات أخرى، تحليق أي طائرة بدون طيار والطائرات في أجواء الحج الكاثوليكي.

وزير الداخلية الفرنسي، زار، من جانبه، نهاية الأسبوع الذي سبق الإحتفالات، مكان تنظيمها، للتحقّق من الإجراءات الأمنية، في حين حرصت أبرز القيادات المعارضة في البلاد على حضور قداس الأحد الماضي، حتى أن آلان جوبيه، عمدة بوردو، والمرشّح الأبرز للفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة في 2017، لم يتردّد في العودة إلى إيمانه.

ومتحدّثا من لورديس، قال جوبيه: "وجودي هنا يمنحني الفرصة لأجدّد دعمي وتضامني مع المسيحيين الذين يواجهون اختبارا عصيبا في الآونة الأخيرة (...) أتفهّم قلقهم، وأنا نفسي كاثوليكي".

ساركوزي الذي سبق وأن تحدّث، في يونيو/ حزيران السابق، في اجتماع حاشد مع أنصاره بمدينة ليل، عن جانبه "المسيحي"، شارك بدوره في القداس بمعية زوجته، بمدينة أفاندو في إقليم فار، في حين شارك فرانسوا فيون، أحد مرشحي اليمين الفرنسي للانتخابات القادمة، في قداس دير "سوليسم" لـ "استعادة جذورنا المسيحية وروح التطويبات"، على حدّ قوله.


تبييض الكنيسة الكاثوليكية من أي اتهامات بالاعتداء الجنسي على الأطفال عقب الهجمات

اليوم التالي لهجوم سان إتيان دو روفراي، حمل معه رياحا مؤاتية للكنيسة الكاثوليكية، وتحديدا في ما يتعلّق بالتحقيق القضائي حول اتهامات الإعتداء الجنسي على الأطفال، والتي تستهدف أبرشية ليون.

التحقيق استهدف بشكل خاص الكاردينال فيليب بارباران، لـ "عدم التبليغ" عن اعتداءات جنسية ضدّ قصّر، والتي كان من ضحاياها أفراد كشّافة سانت فوي ليه ليون في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

المدّعي العام بليون قرّر إغلاق القضية في الأول من أغسطس/ آب الجاري، مبرّرا ذلك بعدم وجود أيّ "إرادة" لدى بارباران، أو "على الأقل الوعي بعرقلة سير العدالة من خلال عدم التقدّم إلى العدالة"، في إجراء يرى مراقبون أنه يهدّد بالتأثير على مآل تحقيق آخر مفتوح في إطار اتهامات الإعتداءات الجنيسة ضدّ أطفال، يشتبه في ارتكابها من قبل الكاهن برينات، والذي يواجه تهما أبرزها "الإعتداء الجنسي على قصّر دون الـ 15 عاما من قبل شخص ذي سلطة".


الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.