دولي, أفريقيا, أخبار تحليلية, التقارير

بوركينا فاسو.. ما حقيقة تعاقد المجلس العسكري مع فاغنر؟ (تحليل)

تصريحات الرئيس الغاني حول إنهاء بوركينا فاسو تعاقدها مع فاغنر تثير أزمة دبلوماسية مع واغادوغو.

21.12.2022 - محدث : 22.12.2022
بوركينا فاسو.. ما حقيقة تعاقد المجلس العسكري مع فاغنر؟ (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ الأناضول

ـ تصريحات الرئيس الغاني حول إنهاء بوركينا فاسو تعاقدها مع فاغنر تثير أزمة دبلوماسية مع واغادوغو.
ـ رئيس وزراء بوركينا فاسو يزور موسكو قبل من يوم من انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية التي لم تدع لها بلاده.
ـ المظاهرات الداعمة للانقلاب الثاني خرجت حاملة الأعلام الروسية ورافضة للتواجد الفرنسي في بوركينا فاسو.

على الرغم من أن شركة فاغنر الروسية ترمي بثقلها الأكبر في الحرب بأوكرانيا وبالأخص في جبهة باخموت (شرق) إلا أنها لم تتخل عن انتشارها في إفريقيا، بل تسعى للتوسع إلى بلدان جديدة مثل بوركينا فاسو، بحسب اتهامات غانية رفضتها واغادوغو.

وتسببت الاتهامات الغانية في دخول البلدين بأزمة دبلوماسية، حيث استدعت بوركينا فاسو، التي دخلت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، في انقلاب على انقلاب، السفير الغاني لديها للاحتجاج، واستدعت سفيرها لدى أكرا للتشاور.

وجاءت الاتهامات الغانية على لسان الرئيس "نانا أكوفو أدو"، لدى لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، على هامش اختتام القمة الإفريقية الأميريكية، التي عقدت بواشنطن ما بين 13 و15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، لمواجهة التغلغل الصيني الروسي في القارة السمراء.

ـ خدمات أمنية مقابل منجم

وفي تصريح هو الأول من نوعه، قال الرئيس الغاني في 16 ديسمبر، إن "بوركينا فاسو أنهت، على غرار مالي، اتفاقا مع فاغنر، من أجل نشر قوات تابعة لها في البلاد".

واتهمت دول غربية وعلى رأسها فرنسا، المجلس العسكري في مالي بالاستعانة بنحو 1000 من مرتزقة فاغنر لدعمها في مكافحة الإرهاب، الأمر الذي تنفيه باماكو.

وقدم الرئيس الغاني تفصيلة مهمة عادة ما كانت فاغنر تشترطها في تعاقداتها مع عدة دول، إذ عبر عن اعتقاده بأن "منجما في جنوب بوركينا فاسو، تم تخصيصه لفاغنر، كشكل من أشكال الدفع مقابل خدماتها".

ولم يحدد الرئيس الغاني طبيعة هذا المنجم، لكن بوركينا فاسو مشهورة بمناجم الذهب، والتي تقدرها مصادر حكومية استنادا إلى صور لأقمار صناعية التقطت عام 2018، بنحو 2200 منجم صغير غير رسمي.

واستحوذت فاغنر على عدة مناجم ذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسودان، مقابل تقديم خدمات أمنية، حيث لديها شركات متخصصة في تعدين الذهب والماس.

ولم يكتف الرئيس الغاني باتهام بوركينا فاسو باستجلاب فاغنر، بل اعتبر أن "المرتزقة الروس موجودون على الحدود الشمالية" لغانا، وهو أمر "مقلق بشكل خاص" لبلاده.

وهذا يعكس أن غانا اختارت معسكرها في عملية فرز إفريقيا بين دول موالية للمعسكر الأمريكي الغربي، وأخرى متحالفة مع المعسكر الروسي الصيني، ما يعيد أجواء الحرب الباردة وانقسام العالم إلى معسكرين قبل ميلاد حركة عدم الانحياز.

ـ بوركينا فاسو وروسيا

لم تعلق الحكومة البوركينابية في البداية على اتهامات الرئيس الغاني، وقال المتحدث باسم الحكومة جان إيمانويل ويدراوغو، "ليست لدينا ردة فعل، أتركه مسؤولا عما قاله".

غير أن الحكومة البوركينابية عادت وعبرت عن رفضها لتصريحات الرئيس الغاني، واعتبرتها "خطيرة وغير دقيقة"، واستدعت سفيرها لدى أكرا للتشاور، وفق ما أوردت وسائل إعلام.

وكلمة "غير دقيقة"، لا تعني بالضرورة نفيا تاما للتعاقد مع فاغنر، فقبل يوم من انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية، التي لم يُدعَ إليها قائد الانقلاب الجديد إبراهيم تراوري، كان رئيس وزرائه "أبولينير كيليم دي تمبيلا"، في موسكو للتباحث مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حول "القضايا ذات الأولوية لتعزيز العلاقات" بين البلدين، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية.

وانتقال بوركينا فاسو من معسكر فرنسا، المستعمر السابق، إلى التحالف مع روسيا، مسألة كانت متوقعة، ومنذ نجاح انقلاب تراوري، على رئيس المجلس العسكري السابق بول هنري داميبا، الذي قاد انقلاب 23 يناير/كانون الثاني الماضي.

وتجلى ذلك في المظاهرات الداعمة للانقلابيين الجدد التي رفعت الأعلام الروسية وهاجم متظاهرون مقر السفارة الفرنسية في العاصمة واغادوغو، محملين باريس مسؤولية استمرار الهجمات الإرهابية في بلادهم، داعين الحكام الجدد إلى التحالف مع موسكو بدلا منها.

لكن الأم بين الانقلابيين الجدد في بوركينا فاسو لم تسر بنفس السرعة والسلاسة التي مرت بها العلاقات بين نظرائهم في مالي وروسيا.

إذ لم يستبعد رئيس وزراء بوركينا فاسو، بعد نحو شهر من نجاح الانقلاب الثاني، "إعادة تقييم علاقات" بلاده مع روسيا، في مؤشر على أن الأمور لم تسر بالصورة التي كانوا يأملونها.

وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عاد رئيس الوزراء، ليوضح أن بلاده ستحاول "قدر الإمكان تنويع علاقات شراكاتها، حتى تجد الصيغة الصحيحة لمصالحها".

فالبلد الإفريقي الصغير في منطقة الساحل، رفض أن يكون لقمة سائغة في فم الدب الروسي كما رفض سابقا أن يكون حبة قمح في منقار الديك الفرنسي، وهو ما عبر عنه أبولينير كيليم دي تمبيلا بقوله، "لن نسمح لأي شريك أيا كان بأن يسيطر علينا".

لكن بوركينا فاسو، تحتاج إلى حليف قوي للصمود أمام الضربات العنيفة للجماعات الإرهابية التي تستهدف البلاد منذ 2015.

وموقف المجلس العسكري ضعيف دوليا، فهو لا يحظى بدعم قوي من فرنسا، وتجلى ذلك بعد تعليقه بث "قناة فرنسا الدولية"، مطلع ديسمبر الجاري، وتهديد باريس بسحب قواتها الخاصة من البلاد، في ظل احتجاجات رافضة للتواجد الفرنسي.

وإذا تأكدت مزاعم الرئيس الغاني بشأن تعاقد بوركينا فاسو مع فاغنر، فمن شأن ذلك أن يسرع من سحب فرنسا قواتها الخاصة من البلاد، وكذلك تقليص الدعم الأوروبي التنموي للبلد المغلق جغرافيا، والبالغ عدد سكانه نحو 20 مليون نسمة، على غرار ما حدث في مالي.

بوركينا فاسو، ليست جاهزة لإحداث طلاق مع الدعم العسكري الفرنسي والغربي، قبل إتمام تحالفاتها مع روسيا، أو أي دولة قوية توفر لها الدعم العسكري والتنموي والدبلوماسي.

والقلق الأمريكي الفرنسي ضد فاغنر والتغلغل الروسي في إفريقيا يتصاعد، خاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، واتهامها بارتكاب جرائم ضد المدنيين والأقليات واستغلال ثروات الدول التي تنشط بها.

بينما ترد فاغنر بأن القوات الفرنسية والغربية ارتكبت هي الأخرى جرائم ضد مدنيين في إفريقيا وتسعى لنهب ثروات بلدانها، كما اتهمت فرنسا، بمحاولة اغتيال مسؤول روسي، في 16 ديسمبر، أصيب بطرد مفخخ في جمهورية إفريقيا الوسطى.

ولن يطول الأمر قبل أن يتضح ما إذا اتفق المجلس العسكري في بوركينا فاسو فعلا مع فاغنر، مثلما تجلى في مالي، أو أن الأمر مجرد مزاعم وتكهنات.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.