الدول العربية, التقارير

من "مجالس الوداع" إلى "الرايات البيضاء".. طقوس تكمل بهجة حجاج مصر

تزيين الجدران، ورفع رايات بيضاء على الحافلات، وترديد الأغاني الشعبية، ومجالس وداع الحاج.. طقوس مترسخة لدى المصريين لا سيما في الريف، تعبيرا عن البهجة والتفاؤل.

31.07.2018 - محدث : 31.07.2018
من "مجالس الوداع" إلى "الرايات البيضاء".. طقوس تكمل بهجة حجاج مصر

Al Qahirah

القاهرة / الأناضول

في إحدى قرى شمالي مصر، كان الستيني ماهر جلال يستعد لأداء فريضة الحج قبل سنوات، وأول ما تبادر لذهن أهل بيته أن يقوموا بطلاء حائط منزله وكتابة عبارة "حج مبرور وذنب مغفور".

أحد من عاشوا تلك الواقعة يسترجع الآن تفاصيل العادات والتقاليد السنوية للمصريين قائلا للأناضول، إن الرسم على جدار المنزل كان أول ما انتبه له أهل هذا الحاج، فاستعانوا بخطاط ليكتب تلك العبارة تتوسطها صورة للكعبة المشرفة.

ويضيف إبراهيم عيد: "هذا ما فعلناه أيضا لوالدي ووالدتي عندما ذهبا للحج قبل سنوات، إذ قمنا بطلاء الحائط الخارجي للمنزل ووضع الرسوم والعبارات ذاتها، فيما تم رفع الرايات البيضاء على السيارة التي أقلتهما إلى المطار قبل رحلة السفر للأراضي المقدسة، بخلاف الاحتفالات والأغاني المرتبطة بالحج".

وبخلاف "جداريات على الجدران"، و"الرايات البيضاء" على الحافلات، والأغاني، هناك حرص على "استقبال الزائرين" قبل الرحلة وبعدها، أو ما يعرف بمجالس الوداع والعودة.

تلك الطقوس المرتبطة بشعيرة الحج، يعتبرها خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي والمتخصص في الفلكلور الشعبي، مترسخة ومتغلغلة لدى المصريين، لا سيما في الريف والمناطق الشعبية، تعبيرا عن البهجة والتفاؤل.

ويحمل فلكلور الحجاج المصريين أحيانا رغبة من البعض في أن يموت بالأراضي المقدسة أثناء أداء الحج، باعتبار أن هذه خاتمة جيدة تفرح أهله، وفق حديث الأكاديمي ذاته مع الأناضول.

وبحسب تصريحات رسمية، فإن حصة مصر في الحج هذا العام تبلغ 78 ألف حاج، أعلنت السلطات المصرية أنها وفرت لها كامل الاستعدادات لتوفير رعاية مناسبة لهم خلال الرحلة المباركة.

** 4 عادات فلكلورية

ووفق دراسة سابقة لـ "مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية" (خاص / جنوبي البلاد)، والأكاديمي خالد أبو الليل، وتقارير صحفية محلية، تمضي فلكلوريات الحج لدى المصريين إلى الآتي:

1- مجالس الوداع والعودة

تبدأ تلك العادات والتقاليد فور سماع الحاج لخبر فوزه في قرعة الحج أو تلقيه تأشيرة الدعوة لأداء الفريضة واقتنائه ثوب الحجاج، حيث يتحول منزل الحاج إلى مزار شعبي احتفائي للجيران قبل ذهابه، والأمر نفسه يتكرر عقب عودته، وهو ما يعرف بمجالس الوداع والعودة.

2- الجداريات وتزيين الجدران

تتزين بعض بيوت الحجاج برسوم تحمل آيات قرآنية تدعو إلى أداء فريضة الحج، وأشهرها قوله تعالى "وأتموا الحج والعمرة لله"، وكذلك بعض التعبيرات المأثورة، منها "حج مبرور وذنب مغفور"، و"لبيك اللهم لبيك"، وبعض الصور للكعبة، أو وسائل الحج عبر الزمان بدءا من ركوب الجمال ومرورا بالسفينة والطائرة.

ووفق تقرير لمجلة "الأهرام العربي" (المملوكة للدولة) في 2017، كان أول من رصد لرسوم وجداريات الحج في العصر الحديث بعض الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر في نهاية القرن التاسع عشر مثل المستشرق الإنجليزي إدوارد ويليام لي.

وفي كتابه "المصريون المحدثون"، تناول ويليام لي عادات وتقاليد المصريين في هذه الفترة وأهمها تزيين منازلهم قبل عودة الحجاج بثلاثة أيام، وتلوين الأبواب والحوائط باللونين الأبيض والأحمر وبطريقة بدائية بسيطة.

ومنذ بضع سنوات، صدرت ترجمة عربية لكتاب بعنوان "رسومات الحج، فن التعبير الشعبي عن الرحلة المقدسة"، قام بتحريره الإنجليزي أفون نيل، تناول فنون التعبير الشعبي عن رحلة الحج في مصر.

ودعا محرر الكتاب إلى تسجيل هذه الجداريات بوسائط حديثة تجمعها في كيان مرئي يحميها من الاندثار، لأنها في مجملها تشكل سجلا أثريا لفن شعبي شديد الخصوصية، يمثل حركة فنية اعترف بها العالم، ووجها مشرقا من أوجه الميراث للأمة المصرية.

3- الرايات البيضاء

الرايات البيضاء أحد أبرز طقوس المميزة لرحلة الحج في مصر، إذ توضع فوق الحافلات التي تقل الحجاج من مدنهم وقراهم إلى المطارات والموانئ عند الذهاب لأداء الفريضة، أو العكس في طريق العودة.

4- أغاني الحج

تمتلأ منازل الحجاج باحتفالات وأغانٍ بشكل مستمر قبل ذهاب الحاج لأداء الشعيرة، ومن أشهر الكلمات الغنائية التي يرددها مصريون:

بعيدة بعيدة يا بلاد الرسول.. بعيدة بعيدة ونفسي (أتمنى) أزورك يا نبي

بعيدة ونفسي وإن أعطاني ربي.. لأروح لك (لأذهب إليك) بزفة (موكب احتفالي)

رايحة فين (ذاهبة إلى أين) يا حاجة يا أم شال قطيفة (غطاء رأس).. رايحة أزور النبي والكعبة الشريفة

يا فاطمة يا فاطمة يا بنت نبينا افتحي لنا البوابة أبوكِ (والدك) داعينا

ويحظى الحاج عقب عودته بمعاملة خاصة وسط مجتمعه، فهناك أكبر قدر من درجات التوقير باعتباره أقرب واحد من أفراد المجتمع حداثة ببيت الله وبزيارة الرسول (خاتم المرسلين)، ويكون النداء دائما له مسبوقا بلقب "الحاج"، ويعد هذا اللقب جزءا أصيلا من هويته.

** طقوس متغلغلة

خالد أبو الليل يقول إن الحج يحظى بمكانة كبيرة لدى المصريين، وله طقوس عديدة متغلغلة ومترسخة عندهم للاحتفاء بها والتعبير عن البهجة والتفاؤل.

ويوضح أبو الليل أن الجداريات أو الأغاني أو الزيارات أو وضع الرايات البيضاء، هي طقوس معبرة عند المصريين لا سيما في المناطق الريفية والشعبية.

ويشير إلى أن المصريين حتى بعد هجرتهم من الريف للمدن حافظوا على تلك الطقوس، وإن قلّت لتغيرات اجتماعية واقتصادية، إلا أنها موجودة وتحظى بمكانة في النفوس.

وضرب مثلا بظهور الرايات البيضاء إلى الآن في صالات السفر بالمطارات والموانئ قبيل بدء رحلة الحج السنوية.

ويلفت إلى أن الريف عادة ما تكون لديه أجواء تداخل اجتماعي بصورة أكبر من المدن، ولذلك تظهر فيه تلك الطقوس بوضوح.

ويؤكد أن بعض الحجاج يتمنون أثناء الوداع أحيانا أن تختتم حياتهم في الأراضي المقدسة، ويجد هذا الأمر ترحيبا نفسيا لدى أسرهم على أساس أنها خاتمة صالحة، رغم أنه مرتبط بالموت الذي لا يتماشى مع طقوس الفرح بالحج.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın