التقارير

تحت الإبادة والنزوح المتكرر.. يوميات مرضى السرطان في غزة (تقرير)

المدير الطبي لمركز غزة للسرطان محمد أبو ندى، بحديث للأناضول: منذ بداية الإبادة توفي 1500 مريض بالسرطان لعدم تلقيهم العلاج المناسب بمعدل مريضين يوميا

Nour Mahd Ali Abuaisha  | 19.06.2025 - محدث : 19.06.2025
تحت الإبادة والنزوح المتكرر.. يوميات مرضى السرطان في غزة (تقرير)

Gazze

غزة / الأناضول

** المدير الطبي لمركز غزة للسرطان محمد أبو ندى، بحديث للأناضول:
- منذ بداية الإبادة توفي 1500 مريض بالسرطان لعدم تلقيهم العلاج المناسب بمعدل مريضين يوميا
- مرضى السرطان بغزة يعيشون مرارة الحرب ومرارة المرض ويعانون من النزوح المتكرر
- بعد إخلاء المستشفى الأوروبي بات المرضى يتلقون علاجاتهم بحدها الأدنى بمستشفى ناصر المكتظ
- مخاطر حقيقية تهدد مرضى السرطان مع زيادة احتمال انتشار المرض في أجسادهم
- ما يتوفر في غزة من علاجات للأورام لا يكفي كافة المرضى ولا يصلح للجميع

في مراكز إيواء مكتظة وخيام مهترئة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، يواجه آلاف من مرضى السرطان بقطاع غزة مأساة غير مسبوقة تحت وطأة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

1500 مريض منهم فقدوا حياتهم على مدار أشهر الإبادة، ليس بفعل الغارات الإسرائيلية المتواصلة وعمليات القنص، إنما توفوا جراء مصادرة إسرائيل حقهم في العلاج ومنعها دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى القطاع، فضلا عن رفضها خروجهم إلى الخارج للعلاج.

يمر على مرضى السرطان أسابيع طويلة دون حصولهم حتى على مسكنات لتخفيف آلامهم، إذ تفاقمت هذه الأزمة منذ إغلاق إسرائيل المعابر أمام المساعدات الإغاثية الغذائية والطبية في 2 مارس/ آذار، ووصلت نسبة العجز بالأدوية الأساسية إلى 37 بالمئة و59 بالمئة بقائمة المستهلكات الطبية، وفق بيانات الوزارة.

وسط هذه الآلام التي تترافق مع ضعف مناعتهم، يعيش المرضى في بيئة خطيرة تفيض بالملوثات جراء غياب وسائل النظافة والتنظيف وانبعاث الغازات الكثيفة والمضرة بفعل انفجار الصواريخ الإسرائيلية.

فضلا عن أن الكثيرين منهم يعيشون في مراكز إيواء مكتظة بالنازحين وتنتشر فيها الأوبئة والأمراض المعدية، وفق ما أكدته تقارير حقوقية أممية ودولية، بما يهدد حياتهم بشكل كبير.

إلى جانب ذلك، فإن مرضى السرطان يتأثرون بشكل مضاعف بالتجويع الذي تمارسه إسرائيل، فأجسادهم المنهكة بالمرض تحتاج إلى أغذية خاصة لتقوية المناعة وزيادة فعالية العلاج ومنع حدوث المضاعفات، لكنهم يبحثون كما الآخرين عن كيس دقيق بعيدا عن الطعام الزاخر بالعناصر الغذائية.

** نقص العلاج

المريضة الفلسطينية هبة أحمد، تقول للأناضول إنها تلقت أول جرعة علاج كيماوي بعد عدة أسابيع من الانقطاع، وذلك جراء إجبار الجيش الإسرائيلي مستشفى غزة الأوروبي على الإخلاء.

وكان المستشفى الأوروبي (جنوب) واحد من عدة بدائل قدم خدمات العلاج لمرضى السرطان، بعدما أخرجت إسرائيل مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني (مركز غزة للسرطان) عن الخدمة.

وفي 15 مايو/ أيار أعلنت وزارة الصحة خروج المستشفى الأوروبي عن الخدمة نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة له، ليتم إخلاؤه بشكل كامل بعد أيام، عقب إنذارات بالإخلاء شملت المنطقة المتواجدة فيها.

فيما نشر الجيش الإسرائيلي في 7 يونيو/ حزيران، مقطع فيديو يظهر اقتحامه المستشفى الأوروبي، في واقعة اعتبرتها مراكز حقوقية جريمة ضمن سلسلة جرائم حرب تطال المنظومة الصحية بالقطاع.

وبعد أسابيع من خروج المستشفى الأوروبي عن الخدمة تلقى عشرات مرضى السرطان، الأربعاء، أولى جرعاتهم العلاجية في مستشفى ناصر الذي يقدمه خدماته للمناطق الجنوبية.

وعن نقص العلاجات، قالت أحمد إنها عانت من مضاعفات صحية جراء عدم تلقيها العلاج منذ إخلاء المستشفى الأوروبي.

ويفاقم تردي وضعها الصحي، انعدام الطعام الغني بالعناصر الغذائية المختلفة فضلا عن عدم وجود الرعاية الصحية اللازمة لمرضى السرطان، وفق قولها.

وناشدت بضرورة التحرك من أجل تسهيل سفر مرضى السرطان لاستكمال علاجهم بالخارج وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لهم، مبينة أن وجودهم في قطاع غزة يضعهم في دائرة "المجهول" في ظل ظروف النزوح والتجويع والإبادة.

ويعاني النظام الصحي بغزة من انهيار كامل جراء الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمستشفيات والمراكز الصحية المتبقية والعاملة في القطاع ومنع دخول الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية.

** مأساة مضاعفة للنزوح

وعن وضعها العام، قالت أحمد إنها تعيش في مدرسة تحولت إلى مركز للإيواء حيث تكتظ بالنازحين والأمراض والملوثات، مبنية أن هذه المراكز غير آمنة لمرضى السرطان لضعف مناعتهم.

وأشارت إلى أنها سبق وعانت من مضاعفات صحية بفعل وجودها في مركز إيواء، حيث انخفضت مناعتها بشكل كبير فضلا عن نزول خطير لمعدل الدم في الجسم.

يشاطرها المعاناة، المريض المسن محمد أبو عاصي، الذي أكد تعرضه لمضاعفات صحية جراء التعب العام والنزوح والتجويع الإسرائيلي.

وأوضح أنهم مروا بفترة يصفها بالجيدة مقارنة بالوضع الصحي المنهار بغزة، لافتا إلى أنهم كانوا يتلقون جرعاتهم في المستشفى الأوروبي التي وفرت لهم مؤخرا مواصلات تقلهم من أماكن إقامتهم إلى المشفى ذهابا وإيابا.

لكن اليوم يجد مرضى السرطان أنفسهم مضطرين للسير لمسافات طويلة من أجل الوصول إلى المستشفى لتلقي علاجهم، مع ندرة توفر المواصلات العامة بسبب أزمة الوقود الناجمة عن إغلاق إسرائيل للمعابر.

وقال بهذا الصدد: "التعب والنزوح والجوع تراكم علينا، المريض بات عاجزا عن المشي بشكل كامل".

وأوضح أنه في "مستشفى ناصر" حيث تم تحويل مرضى السرطان مؤخرا، مكتظ بالمرضى فيما لا يتوفر لهم قسم منفصل.

ويعاني أبو عاصي حاليا من مضاعفات صحية جراء انقطاعه لأسابيع عن العلاج، وفاقم من وضعه غياب الطعام المُغذي، لافتا إلى أنه فقد نحو 20 كيلو غراما من وزنه جراء سياسة التجويع الإسرائيلية.

المريضة عبير الشاعر، قالت أيضا إن الإبادة فاقمت من معاناتهم في ظل النزوح والحياة غير الآمنة، مبينة أنه "لا يوجد طعام ولا شراب (مياه نظيفة)" سواء لهم أو لأطفالهم.

وبأسى قالت، إنهم باتوا يضطرون لإرسال أطفالهم "نحو الموت من أجل الحصول على المساعدات (الأمريكية-الإسرائيلية) لسد رمقهم".

** معاناة مزدوجة

المدير الطبي لمركز غزة للسرطان محمد أبو ندى، قال إن مرضى السرطان بغزة يعيشون "مرارة الحرب ومرارة المرض".

وأكد أبو ندى في حديث للأناضول أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية المتكررة لمناطق بقطاع غزة ضاعفت معاناة المرضى.

وعن ذلك أوضح، أن مركز غزة للسرطان كان المكان الوحيد الذي يقدم خدماته للمرضى ويتابعهم صحيا، لكنهم اضطروا لإخلائه إثر اجتياح الجيش الإسرائيلي منطقة نتساريم؛ وحولها لمحور يفصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

وآنذاك انتقلت الطواقم الطبية ومرضى السرطان إلى "مستشفى شهداء الأقصى" بدير البلح (وسط) لكنهم غادروها أيضا بعد فترة بسبب الإخلاءات، وتوجهوا إلى خان يونس حيث مجمع ناصر الطبي، وفق أبو ندى.

وأشار إلى أنهم بعد فترة أخلو "مستشفى ناصر" قسرا متوجهين إلى رفح نحو "مستشفى أبو يوسف النجار" ومن ثم إخلاء قسري جديد نحو "مستشفى دار السلام" في خانيونس، لينزحوا إلى "مركز الزهراء" في رفح، وأخيرا "مستشفى الأوروبي" ومن ثم "مستشفى ناصر".

وأوضح أبو ندى أن "مستشفى ناصر" يقدم الخدمة الصحية للفلسطينيين في مناطق جنوب القطاع، لذلك فهو مزدحم جدا بالمرضى والمصابين.

وذكر أنه بعد انقطاع مرضى السرطان عن علاجاتهم الكيماوية منذ إخلاء المستشفى الأوروبي قبل أسابيع، باتوا اليوم يتلقون جرعاتهم بالحد الأدنى في مجمع ناصر.

** مخاطر حقيقية

أبو ندى حذّر من مخاطر حقيقية تهدد مرضى السرطان بسبب زيادة احتمال انتشار المرض بأجسادهم، لافتا إلى وجود 11 ألف مريض سرطان بالقطاع بينهم 5 آلاف لديهم تحويلات للخارج.

وقال: "مريض السرطان لو لم يشخص مبكرا ويعالج مبكرا سيتنشر المرض في جسده، والـ5 آلاف مريض لو لم يخرجوا للخارج للتشخيص والعلاج من المحتمل انتشار المرض في أجسادهم".

وشدد على أهمية سفر مرضى السرطان للحصول على العلاج الكيماوي والإشعاعي في الخارج، لافتا إلى أن ما يتوفر في غزة لا يكفي كافة المرضى ولا يصلح للجميع.

ومنذ بداية الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، توفي 1500 مريض بالسرطان جراء عدم تلقي العلاج المناسب بغزة، بمعدل مريضين يوميا، وفق أبو ندى.

وخلفت الإبادة أكثر من 185 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.​​​​​​

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.