"أورانيا".. مستوطنة بيضاء أشبه بدولة داخل جنوب إفريقيا (تقرير)
المتحدث باسم إدارة "أورانيا" يوست سترايدن : كل الخدمات من الأمن إلى البنية التحتية والصحة والتعليم في أورانيا تُدار محليًا

Northern Cape
أورانيا/ مراد أوزغور كوندك/ الأناضول
المتحدث باسم إدارة "أورانيا" يوست سترايدن :- كل الخدمات من الأمن إلى البنية التحتية والصحة والتعليم في أورانيا تُدار محليًا
- اقتصاد أورانيا يشهد منذ خمس سنوات نموًا يتراوح بين 10 إلى 15 بالمئة سنويًا
- نحن هنا منذ 400 عام ولا ننتمي إلى أي مكان آخر وإذا أرادت أمريكا المساعدة فنرجو أن يكون ذلك هنا على أرضنا
"أورانيا"، مستوطنة بيضاء في جمهورية جنوب إفريقيا، تبدو كأنها دولة قائمة بذاتها فهي تملك علما وعملة محلية ولا يُسمح فيها بالإقامة والعمل سوى للبيض من "الأفريكان"، وهم مجموعة إثنية بالبلاد تنحدر من المستوطنين الهولنديين.
الأناضول دخلت "أورانيا" الواقعة في إقليم "كيب الشمالية"، وهي تعيد إلى الأذهان تاريخ سياسات الفصل العنصري (الأبارتهايد)، لكنها في الوقت ذاته، ، وفق ما يدّعيه القائمون عليها، تُطرح كـ"نموذج قانوني للإدارة الثقافية الذاتية لا يقوم على استغلال العمالة السوداء".
وبالتزامن مع استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، الأربعاء في البيت الأبيض، أثارت تصريحات ترامب بشأن ما وصفه بـ"الاضطهاد والإبادة" اللتين يتعرض لهما البيض في جنوب إفريقيا الجدل في هذا البلد، الذي يبلغ عدد البيض فيه نحو 4.5 مليون نسمة من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 63 مليونًا.
ويعتبر مستشار الرئيس الأمريكي إيلون ماسك من أبرز أبناء الجالية البيضاء في جنوب إفريقيا، وهي جالية تعود أصولها إلى الأوروبيين الذين استوطنوا مستعمرة "كيب" في حقبتي الاستعمار الهولندي والبريطاني، ويتحدث غالبيتهم اللغة الأفريقانية المشتقة من الهولندية.
ويُعد البيض من نسل الفلاحين الهولنديين المعروفين بـ"البوير"، ويعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لهذه الأرض التي يعيشون فيها منذ أكثر من 350 عامًا.
وأُقر نظام التمييز العنصري "الأبارتهايد" في جنوب إفريقيا منذ 1948 ولم ينته إلا عام 1991، وحكمت من خلاله الأقلية البيضاء المنحدرة من أصول أوروبية والتي تمثل ما بين 15 و20 في المئة من السكان الأغلبية السوداء ذات الأصول الإفريقية والهندية.
ورغم انتقال السلطة إلى الحكم الديمقراطي في جنوب إفريقيا عام 1994، عقب انهيار نظام الأبارتهايد، ظل البيض أقلية ذات نفوذ اقتصادي واسع، حيث تسيطر نحو 40 ألف عائلة بيضاء على 60 بالمئة من الأراضي الزراعية، رغم وجود عائلات بيضاء فقيرة أيضًا.
** العمل للبيض فقط
وفي "أورانيا"، التي يبلغ عدد سكانها نحو 3 آلاف نسمة من المتحدثين بـ"الأفريقانية"، لا يُسمح لغير البيض بالإقامة أو العمل. ولا تملك حكومة جنوب إفريقيا سلطة دخولها، ما يُعيد إلى الأذهان مباشرةً حقبة الفصل العنصري.
لكن مسؤولي "أورانيا" يقولون إنهم لا يدافعون عن نظام الفصل العنصري، بل عن "الحفاظ على الثقافة"، فلديهم علم خاص، وعملة محلية، وحتى نشيد وطني خاص بالمستوطنة.
وفي حديث مع الأناضول قال المتحدث باسم إدارة "أورانيا" يوست سترايدن: "ينص الدستور الجنوب إفريقي في مادته 235 على حق المجموعات الثقافية في الحفاظ على خصوصيتها وتأسيس إدارة ذاتية. ونحن مارسنا هذا الحق وبدأنا العمل للدفاع عن هويتنا".
وأضاف: "ما قمنا به هو ثورة ضد استغلال العمالة السوداء الرخيصة في جنوب إفريقيا"، مضيفا: "في أورانيا نقوم بجميع الأعمال بأنفسنا، سواء كانت أعمال بناء أو تنظيف أو صيانة أو حتى خدمات صحية وهنا لا مكان لاستغلال الآخرين".
- تمويل محلي للخدمات
وتحدث سترايدن عن "الاستقلال المالي والإداري" الذي تتمتع به أورانيا قائلًا: "نحن لا نتلقى سنتًا واحدًا من الحكومة، بل نمول كل شيء ذاتيًا، رغم أن ضرائبنا لا تزال تُرسل للدولة"، وفق ادعائه.
وأوضح أن "كل الخدمات، من الأمن إلى البنية التحتية والصحة والتعليم، تُدار محليًا"، مؤكدًا "وجود مركز طبي مجهز وطاقم مؤهل، فضلًا عن نظام أمني مسجل رسميًا ويُقدم خدماته بشكل احترافي".
وأشار سترايدن، إلى أن "نحو نصف احتياجات أورانيا من الكهرباء تُغطى عبر الطاقة الشمسية".
وعلى الصعيد الديمغرافي، قال: "رغم أننا 3 آلاف نسمة فقط إلا أننا خططنا لاستيعاب 10 إلى 12 ألف شخص في المدى المتوسط، نطمح لتحقيق نمو اقتصادي كبير".
وأكد أن "الهدف طويل المدى لأورانيا هو جذب أكبر عدد ممكن من أبناء الأفريكان"، مضيفًا: "نريد مكانًا يُمكن للأفريكان أن يشعروا فيه بالانتماء، وأن يتخذوا فيه قراراتهم بأنفسهم".
- عملة محلية
وأشار سترايدن إلى أن "اقتصاد أورانيا يشهد منذ خمس سنوات نموًا يتراوح بين 10 إلى 15 بالمئة سنويًا".
ولفت إلى أن "إنتاج جوز البيكان في القطاع الزراعي، ومواد البناء في القطاع الصناعي، من بين أبرز الأنشطة الاقتصادية".
وقال: "أصدرنا عملتنا المحلية (أورا) عام 2004. وكان لها فوائد عديدة، أبرزها أنها تحافظ على القيمة الاقتصادية لعملنا داخل أورانيا".
وأوضح أن هذه العملة "تُقلل من جرائم السرقة لأنها غير قابلة للاستخدام خارج البلدة، وبالتالي لا يوجد دافع للسطو. كما أن التعامل بها يحقق فوائد مصرفية محلية عبر بنكنا الخاص".
- علم أورانيا
ويحمل علم "أورانيا" ألوان العلم الجنوب إفريقي السابق (البرتقالي، والأبيض، والأزرق)، وفي هذا الصدد يقول سترايدن: "البرتقالي يرمز للنضال من أجل الحرية، والأبيض يمثل الجذور المسيحية والسلام والنقاء، والأزرق يُجسد الجهد والتفاني".
ويتوسط العلم شعار "الصغير العملاق"، وهو رمز "أورانيا".
وحول هذا الرمز يقول سترايدن: "الصغير يشمّر عن ساعده ليقول: لا أحد سيأتي لإنقاذك. عليك أن تنهض وتبني مستقبلك بنفسك".
- دعوة للاعتراف
وحول مواقف ترامب الأخيرة بشأن البيض في جنوب إفريقيا، ادعى سترايدن أن "هناك 142 قانونًا تمييزيًا ضد البيض والأفريكان، تحت ذريعة تمكين السود اقتصاديًا"، شاكرًا ترامب على "التدخل الإيجابي" من أجل دعم البيض.
وطغت مزاعم "الإبادة الجماعية ضد المزارعين البيض" على لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا في البيت الأبيض.
وثار نقاش بين الزعيمين خلال اللقاء، حيث زعم ترامب أن إبادة جماعية جرت ضد المزارعين البيض في جنوب إفريقيا وأن أراضيهم انتزعت منهم بالقوة.
بدوره، رفض رامافوزا مزاعم ترامب قائلا: "إن دستور البلاد يضمن ويحمي ملكية الأراضي كما يحمي جميع المواطنين".
وشهدت العلاقات بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة توتراً ملحوظاً منذ تكليف الرئيس ترامب إدارته في فبراير/ شباط الماضي بوضع خطط لإعادة توطين الأفريكان في الولايات المتحدة.
وأضاف سترايدن: "نُدرك أن عمليات مصادرة الأراضي بدون تعويضات مسألة خطيرة، وندعم أي تحرك أمريكي يهدف إلى حماية البيض في البلاد".
وأثار "قانون مصادرة الأراضي 2024"، الذي وقعه رامافوزا في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، جدلا واسع النطاق لأنه يجيز "نزع الملكية دون تعويض" لتسريع إعادة توزيع الأراضي.
وفي فبراير الماضي، أصدر ترامب قرارا تنفيذيا بإنهاء المساعدات لجنوب إفريقيا.
وأرجع البيت الأبيض حينها سبب القرار إلى "قانون مصادرة الأراضي 2024"، وقضية "الإبادة الجماعية" التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وعلاقاتها "الوثيقة" مع إيران.
وتابع سترايدن: "نطلب فقط أن يتم الاعتراف بنا نحن أبناء الأفريكان، وهذا وحده كافٍ".
وشدد على أنهم لا يسعون للجوء إلى الخارج قائلًا: "نحن هنا منذ 400 عام. هذه أرضنا، نحن لا ننتمي إلى أي مكان آخر. وإذا أرادت أمريكا أو أي دولة المساعدة، فنرجو أن تكون هذه المساعدة هنا، على أرضنا".
وقال المتحدث باسم إدارة أورانيا: "كنا نأمل أن ترد حكومة جنوب إفريقيا على مرسوم ترامب المتعلق بتسهيل إجراءات اللجوء إلى الولايات المتحدة للأفريكان".
وختم حديثه بالقول: "كل ما أتمناه أن ترد حكومة جنوب إفريقيا على هذا المرسوم بالقول للأفريكان أن يبقوا على هذه الأرض لأنها أرضهم وهم جزء من هذا الوطن. اعترفوا بنا، واعترفوا بمنطقتنا".