السياسة, الدول العربية

مقهى "طانطنفيل" العريق.. ملتقى مثقفي الجزائر وصندوق ذاكرة العاصمة (فيديو)

في زيارة للمقهى العريق، يرى الزائر أن هذا الفضاء -رغم مرور 150 عام على تشييده- لم يفقد بريقه.

17.02.2020 - محدث : 18.02.2020
مقهى "طانطنفيل" العريق.. ملتقى مثقفي الجزائر وصندوق ذاكرة العاصمة (فيديو)

Algeria

الجزائر/حسام الدين إسلام/الأناضول

على بعد أمتار قليلة فقط من المسرح الوطني "محي الدين بشطارزي"، يقع "طانطنفيل"، أحد أشهر المقاهي الشعبية العريقة في العاصمة الجزائر، وأحد أكثر المعالم الذي تقصده نخبة من المثقفين والفنانين من داخل البلاد وخارجها.

في الطابق الأرضي لبناء فرنسي عتيق من ثلاثة طوابق، يطل على ميدان بورسعيد في قلب العاصمة الجزائر، يرحب مقهى "طانطنفيل" بمرتاديه من المواطنين والوجوه الفنية والثقافية، التي تقصد المسرح الوطني، وتعرّج إلى المقهى المحاذي له، طلباً للتمتع بأجواء المقهى الشهير.

وفي زيارة للمقهى العريق، يرى الزائر أن هذا الفضاء -رغم مرور 150 عام على تشييده- لم يفقد بريقه.

ويحتوي المقهى التاريخي ذو الهندسة المعمارية الفرنسية، على شرفة كبيرة تضم طاولات كثيرة وعشرات الكراسي، أمّا القاعة التي بداخله فتزينها الأقواس وصور عدد من الشخصيات التي مرّت عليه.
من مورث وموزال إلى العاصمة الجزائر

وشيدّ مقهى طانطنفيل في العام 1870 من قبل الأخوين الفرنسيان "تورتيل"، الذين استوحيا اسمه من (tortel tantonville) وهي مؤسسة صناعة الجعة التي شيداها في (Meurthe-et-Moselle) "مورث وموزال" وهو إقليم فرنسي يقع شمالي منطقة اللورين بفرنسا بحسب مختصين وباحثين في التاريخ.

ويعتبر طانطنفيل مكانا مفضلا عند المثقفين والفنانين والإعلاميين وبقية شرائح المجتمع سواء لتناول الغداء بمطعمه أو لارتشاف القهوة والشاي على شرفته الواسعة المفتوحة على ساحة بور سعيد التي يتواجد بها سوق سوداء لصرف العملات الأجنبية (لا يخضع لأي رقابة قانونية).

ويضاف طانطنفيل، إلى ثلة من المقاهي العريقة والتاريخية التي تشكل ذاكرة مدينة الجزائر مثل مقهى" التلمساني" المتاخم لساحة بورسعيد والمطل على البحر المتوسط، ومقهى"سوسطارة"، و"مالاكوف" بالقصبة العتيقة، و"ميلك بار" الذي فجرت فيه المناضلة زهرة ظريف بيطاط قنبلة خلال ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962).

ومرّ على المقهى العديد من أعمدة الفن الجزائري منهم الراحل الهاشمي قروابي، دحماني الحراشي، أعمر الزاهي، مصطفى كاتب، إضافة إلى فنانين من مصر زاروا البلاد مثل أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، والمغني الفرنسي شارل أزنافور، والمفكر الفرنسي جون بول سارتر، المناضل الكوبي تشي غيفارا وغيرهم وفق شهادات.

وتقول ليليا مجبر (وهي ناشطة في الحقل الثقافي) التقاها مراسل الأناضول داخل المقهى إنها تفضل أن تأتى إلى هذا المقهى، لأنه بجانب المسرح الوطني، ويتميز بالهدوء واصفة بأنه "المقهى الأهم بالنسبة لها".

من جهته يقول عزيز حمدي (ممثل مسرحي) "طانطنفيل كان ولا يزال تكملة للمسرح الوطني محي الدين بشطرزي، ويقال أنه في زمن الفنانيين المسرحيين الكبار كانت هناك مسرحيات طويلة الزمن تدوم من ساعتين الى أربع ساعات، حيث كان المقهى يستضيف الجمهور عند مغادرته القاعة ليستريح أو ليتم تغيير الديكور"


مقهى ليس كغيره من المقاهي

اعتبر المؤرخ والباحث في التراث الجزائري فوزي سعد الله أنّ "مقهى طانطنفيل في نسخته الجزائرية اليوم مقهى ليس كغيره من المقاهي".

وقال سعد الله في حديث لـ"الأناضول" إنّ "المقهى المتربع منذ قرن ونصف القرن في ساحة بور سعيد (ساحة بْروسُونْ سابقا) في قلب مدينة الجزائر شهد النور عام 1870م ".

وأضاف: "المقهى ولد في سبعينيات القرن الـ19، وأسس في الأصل في منطقة مورت وموزيل شمال فرنسا على يد الأخوين تورتيل، ومنه جاء اسمه تورتيل تانتونفيل".

وأكدّ المتحدث أنّ طانطنفيل لا يزال يشتهر بشرفته الكبيرة الأسطورية المجاورة لمسرح محي الدين بشطارزي.

ولم يخف المتحدث أنّ سحر المقهى استمر حتى ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان لا يزال يتردد عليه النخبة الفنية في العاصمة الجزائرية؛ "الموسيقيين والمطربين والشعراء والممثلين ورجال المسرح".

من جهتها قالت الباحثة في التاريخ والآثار فايزة رياش إنّ "مقهى طانطنفيل يكتسي رمزية كبيرة في الموروث الثقافي والتاريخي بالجزائر".

وأضافت رياش أنّ "طانطنفيل مقهى يعدّ ملتقى النخبة من الفنانين والكتاب والصحفيين الذين يقصدون المسرح الوطني لمشاهدة العروض المسرحية، كما يعتبر فضاء لتبادل الأفكار والنقاش بينهم".

وأكدّت في تصريح لـ"الأناضول" أنّ طانطفيل ذاكرة فنية وشعبية، تحكي جزء من تاريخ مدينة الجزائر المقاومة".

وأوضحت المتحدثة أنّ طانطنفيل إضافة إلى كونه ملتقى أهل الثقافة، كانت تحضر في مطعمه فيه أشهى الأطباق التقليدية مثل "الطاجين، المشاوي، بوريكس (البورك)، وغيرها".

كما أن للعديد من الفنانين من مسرحيين وممثلين ومخرجين لديهم ذكريات مع "طانطنفيل" أحدهم هارون الكيلاني مخرج وكاتب مسرحي.



أول لقاء مع "طانطنفيل".. ومشاعر حنين

وقال الكيلاني في حديث مع "الأناضول" إنّه كان يبلغ 12 عاماً عندما زار للمرة الأولى مقهى طانطفيل، وعلاقته اليوم مع هذا المقهى العريق تبلغ نصف قرن.

وأضاف "نجحت في اجتياز امتحان المرحلة الابتدائية (الإعدادية قديما) بامتياز وكانت هديتي زيارة العاصمة والأهل هناك"

وتابع كيلاني قائلا إنه رغم حلمه بدخول المسرح الوطني لمشاهدة أي عرض مسرحي. "لم يتحقق الحلم وبقيت رفقة أختي فطوم، ننتظر في مقهى طانطنفيل".

وأردف راوياً ذكرياته "فجأة تدخل سيدة المسرح الجزائري فريدة صابونجي، فسعدت لمشاهدتها وطلبت من أختي أن نستأذنها للسلام وكان لي ذلك ونبت في قلبي حب اللحظة والمكان".

ولم يخف الكيلاني وهو مخرج مسرحية "شاهد وشواهد" أنّه "رغم مرور سنوات طويلة، يجد نفسه دائما في هذا المقهى ..من سنة إلى آخرى ".

وختم قائلا "يبقى طانطنفيل هبة سحابية وعجائبية من زمن الراحلين المسرحيين عبد القادر علولة ومصطفى كاتب وكتيبة أهل الفن الحق ويبقى القائمون عليه اليوم من أخيار الناس".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın