الدول العربية, فيروس كورونا

فيروس كورونا.. اختبار لاقتصاد مصر (مقال)

من الواضح أن جائحة فيروس كورونا ستختبر مدى هشاشة اقتصادات العالم، التي يتوقع لبعضها أن تتأثر بشكل أكبر من التأثيرات الفعلية للفيروس على جسم الإنسان.

08.04.2020 - محدث : 08.04.2020
فيروس كورونا.. اختبار لاقتصاد مصر (مقال)

Turkey

إسطنبول/ الأناضول

- يعتمد استقرار الاقتصاد المصري على التمويل الخارجي، وعائدات السياحة، ودخل قناة السويس، واستخراج البترول والغاز
- الأزمة الناشئة عن الجائحة ترتبط مع تحديات أخرى، مثل ارتفاع التضخم ومستويات البطالة وغياب المساواة الاجتماعية
- قد يضطر النظام لاتخاذ خطوات غير مسبوقة لتهدئة الاستياء الشعبي المتنامي

من الواضح أن جائحة فيروس كورونا ستختبر مدى هشاشة اقتصادات العالم، التي يتوقع لبعضها أن تتأثر بشكل أكبر من التأثيرات الفعلية للفيروس على جسم الإنسان.

ولا تُظهر الأسواق المالية العالمية حتى الآن أية علامة على الاستقرار، استجابة للتدابير الاستثنائية التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية وحزمة الإنقاذ المالي.

فيما تظهر الحقائق على الأرض، أن انتشار الاضطرابات المالية الناجمة عن تفشي المرض، تتسارع بوتيرة أعلى من الفيروس نفسه.

ويعد الاقتصاد المصري، أحد هذه الاقتصادات الهشة، ويعتمد استقراره بشكل كبير على التمويل الخارجي، وعائدات السياحة، والدخل من قناة السويس، واستخراج البترول والغاز، وسيؤثر التباطؤ الاقتصادي العالمي على جميع هذه القطاعات.

وعلى سبيل المثال، سيؤدي الانخفاض السريع في أسعار الطاقة إلى زيادة تقليص المساعدات والاستثمارات التي تتلقاها مصر من دول الخليج المجاورة الغنية بالنفط.

كذلك، فإن احتمالا حقيقيا بأن تنخفض الإيرادات الناتجة عن قناة السويس، وإنتاج مصر من الهيدروكربونات بسبب تباطؤ التجارة الدولية.

كما سيكون للقيود المفروضة على السفر الدولي تحديدا، آثار خطيرة على قطاع السياحة في مصر، والذي بدأ بالتعافي قبل عامين فقط عقب الاضطرابات التي تلت الثورات العربية عام 2011، والهجوم الذي أسفر عن إسقاط طائرة روسية ومقتل 224 راكبا بعد وقت قصير من إقلاعها من مدينة شرم الشيخ.

** انتعاش مشروط

منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، أفادت في تقرير لها، بأن السياحة في مصر حققت 12.6 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2018 - 2019 (بنمو 28 بالمئة).

كما أشار التقرير إلى انتعاش قوي مع نمو مزدوج لأعداد الوافدين والإيرادات في الفترة ذاتها؛ وعلى سبيل المثال، استقبلت مصر 11 مليونا و346 ألف زائر، مقابل 8.3 ملايين زائر في الفترة السابقة لها (2017 - 2018).

وجاءت الزيادة من الأسواق السياحية التقليدية في أوروبا الغربية، والأسواق الناشئة في أوروبا الوسطى والشرقية، والشرق الأوسط وآسيا.

وفي حين لعب الجنيه المصري الضعيف والجهود الترويجية القوية، دورا حاسما في هذا الانتعاش الكبير للوافدين، فإن العامل الرئيس ما يزال هو عودة الثقة إلى مصر.

ومع ذلك، عندما ترتبط الأزمة الاقتصادية الناشئة المتعلقة بجائحة فيروس كورونا مع التحديات الأخرى في مصر، مثل ارتفاع التضخم وارتفاع مستويات البطالة وزيادة عدم المساواة الاجتماعية، فمن المتوقع أن يكون اختبار متانة الاقتصاد المصري هو أكبر التحديات.

وإذا فشلت مصر في الاستجابة للظروف الاقتصادية المتغيرة بسرعة، فإن تكلفة المعيشة في مصر ستزداد، وسيتفاقم معدل عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء.

ومن المحتمل أن يؤدي هذا الوضع الاقتصادي المتدهور، إلى مزيد من التحديات للنظام السياسي في البلد وهذا أمر مهم، بحكم أن القضايا الاقتصادية كانت تعتبر دائما محركا هيكليا حاسما ذي قدرة عالية على وضع المصريين في قبضة القمع السياسي.

** اضطرابات محتملة

وإذا تفاقمت القضايا الاقتصادية الراهنة، ولم يتم التعامل مع انتشار فيروس كورونا بشفافية، فقد تنشأ اضطرابات واسعة النطاق واحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في مصر.

ويتجلى ذلك بشكل خاص، عند النظر في السياسات الاقتصادية للنظام العسكري الحالي، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد زعم النظام عند الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد محمد مرسي، أنه سيفي "بمطالب الثورة".

لكن البلد لم يشهد حتى الآن انتعاشا اجتماعيا واقتصاديا موثوقا به؛ وبدلا من ذلك، لم يتوقف السيسي عن عملية الإصلاح التي بدأت بعد الثورة في 2011 فحسب، بل أعاد أيضا السياسات المتضاربة نفسها التي حفزت الثورة في المقام الأول.

وما يثير المزيد من القلق، حقيقة أن النخب العسكرية قد زادت بشكل كبير من حصتها في السيطرة على الاقتصاد المصري، في أعقاب صعود السيسي.

ووفقا لتقرير أعده "مركز كارنيغي للشرق الأوسط"، فإن هذه النخب لم تعد تعمل خلف الأبواب المغلقة، بل إنها تقوم بدور نشط كجهات فاعلة مستقلة، تحوّل الأسواق وتعدل وضع السياسات الحكومية واستراتيجيات الاستثمار.

ومما لا شك فيه أن النفوذ السياسي والاقتصادي الناشئ للجيش المصري، فرض مسؤولية أكبر على هذه البنية في أعين الجماهير التي زحفت إلى "ميدان التحرير" من أجل "العيش والحرية والكرامة".

ومع ذلك، ما تزال القضايا الاقتصادية الأساسية، مثل الافتقار إلى خدمات الرعاية الاجتماعية الأساسية ودعم الصناعات لخلق فرص العمل، وانخفاض المساواة الاجتماعية والنمو الاقتصادي المستدام، دون حل للجماهير المصرية حتى اليوم.

وتشكّل الأعباء الثقيلة الناجمة عن الركود العالمي الذي يلوح في الأفق وزيادة السخط بين المصريين بشأن التدابير المتخذة ضد جائحة فيروس كورونا، تحديا لمتانة النظام المصري أيضا.

وقد يضطر النظام هذه المرة إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة لتهدئة الاستياء المتنامي بين الجماهير.

وبينما يعكس الشباب والناشطين في مصر الرؤية والأمل في مستقبل أفضل، فإن الآثار المترتبة على التفشي الحالي لكورونا، قد تكون كارثية بالنسبة لمصر إذا لم يتم التعامل معها بسرعة وحكمة وفعالية.

** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الأناضول

** المقال للباحث السياسي التركي تانكوت أوزتاش

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.