تركيا, دولي, الثقافة والفن, التقارير

وسط جزر الأميرات التركية.. مكتبة تراثية تصل الماضي بالحاضر (تقرير)

فيها كتب بأكثر من 12 لغة، منها التركية واليونانية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، إضافة إلى كتب باللغة العثمانية القديمة

10.08.2022 - محدث : 10.08.2022
وسط جزر الأميرات التركية.. مكتبة تراثية تصل الماضي بالحاضر (تقرير)

Istanbul

إسطنبول / رياض الخالق / الأناضول

قبل نصف عقد من الزمن، انتقل تاجر القطع الأثرية ناظم حكمت إركان للعيش في جزيرة "هيبيلي أدا"، ثاني أكبر جزر الأميرات في إسطنبول، ليؤسس فيها مكتبة لبيع الكتب القديمة، شكلت جسراً بين الماضي والحاضر.

تقع الجزيرة في بحر مرمرة قبالة ساحل إسطنبول، وتعد من أهم الوجهات السياحية خلال فصل الصيف، حيث تستغرق رحلة الوصول إليها من مضيق البوسفور قرابة 40 دقيقة.

ويسكن الجزيرة حوالي 5 آلاف نسمة، وتتميز بشواطئ وغابات كثيفة وأماكن مخصصة لركوب الدراجات والمشي، إضافة إلى حدائق وأحياء مزيّنة بأنواع عديدة من الزهور.

إعجاب إركان بالحياة والهندسة المعمارية في الجزيرة، دفعه للاستقرار فيها وفتح متجره الخاص، لكن إصرار زملائه من السكان كان حاسماً في اتخاذه قرار افتتاح مكتبة تلبيةً لرغبتهم.

يقول إركان للأناضول، وهو يجلس أمام متجره الذي يبيع فيه الكتب القديمة، إن قرار افتتاح مكتبة في الجزيرة "عمل شجاع"، يهدف إلى "ربط الناس بتاريخهم".

أطلق إركان على المكتبة اسم "هيبيلي صحاف" حيث تشير كلمة "هيبيلي" إلى اسم الجزيرة، بينما كلمة "صحاف" تعني بائع الكتب القديمة.

** مكان الأحلام

درس إركان الإدارة في جامعة "19 مايو" بمدينة صامصون شمال تركيا، المطلة على شواطئ البحر الأسود، قبل أن ينتقل إلى إسطنبول في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

وعمل في صناعة المنسوجات، قبل أن ينتقل إلى صناعة الأفلام الوثائقية حيث عمل مساعد مدير التصوير.

يذكر إركان المثل الشهير الذي يقول إن "صخور وتربة إسطنبول مصنوعة من الذهب"، ويضيف "لذلك جئت إلى هنا بحثاً عن فرص، حيث يأتي الناس من الأناضول إلى هنا منذ قرون لهذا السبب".

تقع المكتبة التي تحمل على واجهتها شعار "المتجر الذي يبيع الوقت"، عند مفترق طرق حيوي في الجزيرة، حيث يشاهد الزوار أمامها معرضًا لصور قديمة لأماكن وشخصيات مشهورة.

يقول إركان: "في بعض الأحيان يفاجأ الشباب برؤية الصور، ويسألون عن ماهيتها وكيف تم إنتاجها"، مشيراً إلى أن الإنترنت غيّر الطريقة التي ينظر بها الناس إلى الحياة.

ويتابع: "حاليًا، وبدلاً من التقاط الصور وطباعتها، يقوم الأشخاص بالتقاط الصور بهواتفهم الذكية وحفظها في بطاقات الذاكرة للمستقبل".

وأوضح أن الكثير من الباحثين يتصلون به للبحث عن بعض الكتب والقطع الأثرية التي يحتاجونها لعملهم، مشدداً على أهمية الحفاظ على التاريخ والقطع التاريخية، رغم تغيّر نمط الحياة بسرعة.

وكان إركان قد انتقل إلى الجزيرة عام 2014، حيث وجد مكان أحلامه لمواصلة شغفه ببيع الكتب، بعد أن كان يدير مكتبة قديمة في حي تقسيم التاريخي بإسطنبول.

ويعبّر عن تلك اللحظات: "ذهلت عندما وجدت مكان أحلامي، ففي أحد الأيام علمت أن المستأجر السابق سيغادر المحل، فقررت استئجاره، وهكذا بدأت رحلة المكتبة في هذه الجزيرة الجميلة".

وبعد افتتاح المكتبة الجديدة منتصف 2016، أغلق إركان مكتبته في حيّ تقسيم ليتفرغ كلياً لمكان أحلامه الجديد في الجزيرة.

** كتب بعدة لغات

تحوي المكتبة كتباً بأكثر من 12 لغة، منها التركية واليونانية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، إضافة إلى كتب باللغة العثمانية القديمة.

يقول إركان: "وصفني الجميع بالجنون عندما فتحت هذه المكتبة في الجزيرة، لكن ثبت (لاحقاً) أنه عملٌ شجاع".

وتحتوي المكتبة أيضًا على معرض صور عن حياة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، ومجموعة من الكتب عن تاريخ الجزيرة وكتيّبات عن الاقتصاد الإسلامي.

كما توجد بها معاجم للغات، بما في ذلك قواميس للهجات الأوردية والمنغولية والتركية.


** بوابة إلكترونية

تماشياً مع تطور الحياة، تعمل المكتبة على استحداث بوابة إلكترونية لاستقبال الطلبات عبر الإنترنت، كما جذب حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من المتابعين والزبائن.

وقال إركان: "نبني قاعدة بيانات قوية على الإنترنت لنكون قادرين على خدمة العملاء، ونطلق البوابة الإلكترونية في الأشهر القليلة المقبلة".

وأضاف: "ساهمت المكتبة في إظهار قيمة الجزيرة التاريخية والثقافية وهندستها المعمارية".

وأوضح أنه كما يبيع الكتب فهو يشتريها أيضا ممن "ينتقلون إلى أماكن أو بلدان أخرى، أو ممن يموتون تاركين كتبهم ومكتباتهم لأقاربهم".

وفق إركان، "يبحث الناس في الغالب عن الروايات وكتب التاريخ والفلسفة".

ولفت إلى أن كثيرين يأتون إلى المكتبة للحصول على نسخ الطبعة الأولى من الكتب، أو الكتب التي تحمل تواقيع مؤلفيها.

** حنين إلى الماضي

يقول إركان إن مكتبته تحوّلت إلى "جسر للزمن"، حيث أصبحت سبباً لربط الكثير من الزوّار بالتاريخ، مؤكداً أن الصحف والمجلات القديمة "تعطي شعوراً بالحنين إلى الماضي".

وأضاف: "ما أقوم به في المكتبة هو عمل أثريّ، وعملي يكمن بالخوض في ما هو غير متوفر في السوق".

وأكد أن للكتب القديمة "مكانة مهمة للغاية لثقافة كل بلد".

وختم بالقول: "نفتش في الأشياء التي يبحث عنها الناس، لنربطهم باحتياجاتهم. عملنا يشبه الجسر بين شيء قديم بالكاد يُباع، أو يُعتقد أنه ضاع، وبين الشخص الذي يبحث عن هذا الشيء".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.