السياسة, الدول العربية, التقارير

ليبيا والفوضى التي لا تنتهي (مقال تحليلي)

للكاتبة نبهات تانري فيردي يشار، الخبيرة بمركز (أورسام) لدراسات الشرق الأوسط، (مقره أنقرة)

20.02.2020 - محدث : 21.02.2020
ليبيا والفوضى التي لا تنتهي (مقال تحليلي)

Ankara

إسطنبول/ الأناضول

في الوقت الذي أطلقت فيه الأمم المتحدة مبادرات لتشكيل "لجنة عسكرية مشتركة" بصيغة 5+5 في جنيف، بهدف هدنة دائمة في ليبيا، كان اللواء المتقاعد خليفة حفتر يسارع في نشر قوات عسكرية بدعم من الإمارات ومصر في ظل وقف إطلاق نار هش.

حفتر، ومنذ عام 2014، يعتبر طاولة المفاوضات امتدادًا للحرب التي تهدف إلى السيطرة على البلاد، بتركيز قواته حول العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة شمال غربي البلاد، ولكنه لم يستطع تحقيق أهدافه في أي محادثات حتى الآن، فدائمًا ما تتبدد آماله للتفاوض مع الموجات الجديدة للعمليات العسكرية.

وبشن هجمات على طرابلس وإيقاف إنتاج النفط في يوم انعقاد مؤتمر برلين الأخير، كان حفتر يرسل بالفعل رسالة مفادها أن الحرب لا تزال خياره الأساسي، وهذا يدل على هشاشة وقف إطلاق النار والمبادرات المستمرة للحلول السياسية.

** حظر توريد الأسلحة

كان لخطة السلام في مؤتمر برلين أهمية حاسمة في إعلان أن الحرب الأهلية المستمرة في البلاد لن تنتهي ما لم يتوقف الدعم الأجنبي، لكنها لم تقترح أي آليات فعالة لضمان تنفيذ حظر توريد الأسلحة، الذي انتهكته العديد من الجهات الفاعلة عدة مرات.

وخلص المؤتمر إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن تدين هذه الانتهاكات.. وحتى الآن لم تتخذ قرارات ضد الأطراف المخالفة، كما لم تعتمد الجمعية العامة بعد النص النهائي الذي تم الاتفاق عليه خلال المؤتمر وبالتالي لم يصبح قرارًا ملزمًا.

ونظرًا لكل هذه الأمور فإن مسألة حظر الأسلحة هي النقطة الأضعف في الاتفاقية، لأن الأطراف التي انتهكتها إما أعضاء في الأمم المتحدة أو حلفاء مقربون للأعضاء.

وبينما تقتصر التدابير المتاحة للمؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، على خطوات مثل الإدانات أو العقوبات، فإن إمكانية اتخاذ قرار كهذا أمر مشكوك فيه، فقرارات مؤتمر برلين في الوقت الحالي مجرد "اتفاق شرفي"، وحتى الآن لم تصدر أي إدانة للانتهاكات أو لجرائم الحرب في ليبيا.

وعلى صعيد آخر، على الرغم من أن المسألة تبدو أنها كانت مقتصرة على مسألة حظر الأسلحة، إلا أن الإمارات تستخدم قاعدة "الخادم" الجوية في ليبيا منذ عام 2016، كما تنفذ مصر عمليات جوية من قواعدها داخل أراضيها.

وبما أن الدول الأعضاء تتحكم في الحظر المفروض على الجو والبحر، فإن عمليات نقل الأسلحة ستتم بشكل أساسي عن طريق البر، مما يعزز أيدي الدول المجاورة التي تتحكم في هذه الطرق وكذلك الجهات الفاعلة المؤثرة في هذه البلدان، فمصر والإمارات وفرنسا تسيطر على الطرق الشرقية والجنوبية في ليبيا.

في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كانت هناك زيادة مفاجئة في الملاحة الجوية في خط إمداد جوي إضافي من الإمارات وروسيا إلى بنغازي، وتقول العديد من المصادر إن دولة الإمارات قامت بتسليم 3 آلاف طن من المعدات العسكرية للقوات الموالية لحفتر على مدار الأسبوعين الماضيين.

ويُعتقد أن الطائرة "أنتونوف 124"، وهي طائرة شحن مسجلة لدى شركة "مكاسيموس للشحن الجوي" التي يملكها محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، قامت بتسليم معدات عسكرية ومقاتلين أجانب، وبالتالي فإن القوة الاستراتيجية الإقليمية لروسيا - التي اكتسبت الأراضي بفضل شركة "فاغنر جروب" الأمنية الخاصة - تراجعت بشكل كبير نتيجة لسحب بعض القبائل الليبية الشرقية لمقاتليها بعد هزيمة "غريان".

حرب الإمارات في ليبيا:

في مايو/ أيار الماضي، لخص وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، وجهة نظر بلاده بشأن الأزمة الليبية وعمليات التحول الإقليمي في فترة ما بعد الربيع العربي، قائلًا إن "الأولوية في ليبيا هي لمكافحة التشدد والإرهاب ودعم الاستقرار لأزمة طالت".

وبعد ثورات عامي 2010-2011 في الدول العربية، بدأت الإمارات وحليفتها السعودية استخدام المزيد من القوة العسكرية في سياساتهما الخارجية وبالتالي لعب دورٍ مهمٍ في تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة.

ولكن دور الإمارات في المنطقة شهد تحولًا كبيرًا بعد إطلاقها سياسة نشطة لإشعال موجة إقليمية لإحياء الاستبداد، لتصورها أن عمليات التحول في جميع أنحاء الشرق الأوسط - وخاصة شمال أفريقيا - كانت في الواقع تهديدًا لأنظمة في دول الخليج.

وحتى عام 2011، كانت أولوية الإمارات أن تصبح مركزًا ماليًا إقليميًا ومركزًا دوليًا للأعمال، ولكنها تحولت الآن لقوة عسكرية مع زيادة رؤيتها وتأثيرها على الديناميكيات الإقليمية بعد الربيع العربي.

اليوم، أصبحت الإمارات واحدة من أهم الممولين بين الأنظمة الإقليمية كما تحولت بسرعة إلى قوة عسكرية إقليمية، فمن خلال مشاريعها الاستراتيجية في موانئ البحر الأحمر في مصر والصومال واليمن وقواعدها العسكرية في ليبيا واليمن وإريتريا وصوماليلاند، تسعى الإمارات الآن إلى وضع نفسها كقوة حاسمة في المنطقة اقتصاديًا وعسكريًا عبر سياستها الخارجية التوسعية والطموحة.

ومع إدخال مصر في المحور الإقليمي السعودي الإماراتي بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عبر انقلاب في 2013، وسّعت الإمارات أهداف سياستها الخارجية تجاه ليبيا ولعبت دورًا مهمًا في تغيير مسار الصراع على السلطة في السياسة الليبية.

وتعتمد العلاقات بين الإمارات وحفتر، التي أساسها المصالح المتبادلة، على ان حرب حفتر ضد الجماعات الإسلامية - وخاصة جماعة الإخوان المسلمين - في ليبيا تتفق مع الأجندة السياسية الإقليمية لها.

وشنت الامارات حملة اعتقالات وإجراء محاكمات عديدة للجماعة منذ عام 2012 بتهمة "محاولة الإطاحة بالنظام"، وفي عام 2014 أعلنت الإمارات والسعودية أن جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، ومن ثم شنت حربًا واسعة النطاق تعرف فيها الحركة على أنها تهديد أمني قومي ودولي.

وفي أغسطس/ آب 2014، بدأت حرب الإمارات في ليبيا بشنها غارات جوية بينما كانت القوات الموالية لكل من الجماعتين المتنازعتين في البلاد تقاتل للسيطرة على العاصمة طرابلس.

بعد الانتخابات في يونيو/ حزيران 2014 ظهر هيكل سياسي بحكومتين، واحدة من المؤتمر الوطني العام والأخرى من مجلس النواب، وبحلول أغسطس من العام نفسه كانت طرابلس موقعًا للقتال بين القوات القبلية والميليشيات لهاتين الحكومتين من أجل السيطرة عليها.

ومع ضرباتها الأولى في ليبيا، سعت الإمارات إلى وقف تقدم القوات الموالية للمؤتمر الوطني العام ومركزها مصراتة تجاه وسط طرابلس، ومع ذلك لم ينجح هذا واضطر مجلس النواب (القوات الموالية له) إلى الانسحاب من طرابلس والاستقرار في طبرق، التي كانت تحت حماية حفتر، وهكذا تم وضع أساس التحالف بين حفتر ومجلس النواب والإمارات.

ومنذ ذلك الحين، واصلت الإمارات دعم حفتر ومجلس النواب في طبرق، وكان الدعم الجوي لها ذا أهمية كبيرة في نجاح حفتر في العمليات التي بدأها للسيطرة على درنة وبنغازي.

ومنذ عام 2016 واصلت الإمارات تزويد حفتر بالدعم الجوي عبر قاعدة "الخادم" الجوية، ولوحظ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 أنها قامت بتركيب أنظمة هوك للدفاع الجوي فيها وأنها استخدمت بشكل نشط طائرات مقاتلة من طراز"ميراج 2000" من القاعدة خلال الهجوم على طرابلس.

وذكر تقرير للأمم المتحدة حول تفجير مخيم للاجئين في منطقة "تاجوراء" بالقرب من طرابلس أن الهجوم نفذته طائرة من طراز ميراج 9 -2000 مملوكة لدولة أجنبية.

وعلى الرغم من تردد الأمم المتحدة في تسجيل انتهاكات الإمارات في ليبيا، فقد اضطرت أخيرا إلى التنويه لها في تقاريرها الأخيرة.

وبعد تجاهلها لأنشطة الإمارات في ليبيا لفترة طويلة ذكرت الأمم المتحدة بوضوح وجود الإمارات في البلاد في تقرير من 85 صفحة نُشر في نوفمبر/ تشرين الأول 2019.

وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يبدو من الممكن حدوث تغيير جدي في سياسات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ففي ظل هذه الظروف لا يوجد ضغط دولي يُذكر على الإمارات لمراجعة سياساتها في المنطقة أو ليبيا.

إن من الواضح للغاية أن الإمارات تريد نصرا حاسما في ليبيا، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف بشكل كامل إلا من خلال الإطاحة بالقوة البديلة في طرابلس وبناء نظام استبدادي تحت حكم حفتر يحظى بجانب عسكري بارز؛ وأي سيناريو لا يمنع أو يوازن هذه السياسة سيتغلب فيه خيار استخدام القوة على الحل السياسي.
-----------

* الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة سياسة وكالة الأناضول التحريرية.











الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın