الدول العربية, التقارير

جربة التونسية.. عائلات تبحث عن أبنائها المفقودين بالمتوسط (تقرير)

لم تبق سوى دموع أم ستينية أرهقها فراق ابن لم يبلغ سنّ الشباب بعد أن ركب أمواج البحر رفقة 8 من أصدقائه، من جزيرة جربة التونسية نحو الضفة الأخرى للبحر المتوسط، بحثا عن أمل مفقود في بلاده.

11.05.2021 - محدث : 11.05.2021
جربة التونسية.. عائلات تبحث عن أبنائها المفقودين بالمتوسط (تقرير)

Tunisia

جربة (تونس)/ هيثم المحضي/ الأناضول

- 9 شبان من مدينة أجيم ركبوا البحر في 2019 للوصول إلى أوروبا دون أن يعثر لهم على أثر
- عائلات الشبان يطالبون السلطات بالبحث عنهم في مالطا وإيطاليا والكشف عن مصيرهم حتى لو أموات
- مسؤولة محلية: إذا هاجر اليوم 9 من أبناء المنطقة، فغدا يمكن أن يهاجر آلاف أيضا

لم تبق سوى دموع أم ستينية أرهقها فراق ابن لم يبلغ سنّ الشباب بعد أن ركب أمواج البحر رفقة 8 من أصدقائه، من جزيرة جربة التونسية نحو الضفة الأخرى للبحر المتوسط، بحثا عن أمل مفقود في بلاده.

منجية الغبنتيي (ربة بيت)، تغيّر حالها منذ أكثر من عام ونصف، فلا شيء تفعله خلال هذه الفترة سوى البحث عن أي معلومة حول مكان تواجد ابنها "ريّان"، الذي انقطعت أخباره منذ 2019.

وحالُ عائلة منجنيّة، ذاته لدى العائلات الثمانية الأخرى، الذين يقطنون جميعا في مدينة "أجيم" شرقي جربة، بعد أن غادر أبناؤهم البلاد نحو إيطاليا عبر قارب صيد.

وفي حديثها للأناضول، قالت مُنجيّة "إبني ريّان، يبلغ من العمر 17 عاما (أصغر الشباب الذين هاجروا في الرحلة البحرية) انقطع عن الدراسة في سنّ مُبكّرة، واشتغل مع أبيه في البحر".

وتابعت بتأثر" "نحن لم نطلب من الدولة أن تجلبهم لنا، نحن نطالب فقط بإخبارنا بمكان تواجدهم، فمنذ عام ونصف تعبت كثيرا أنا وكل العائلة بسبب غيابي إبني".

** لوعة العائلات

وأضافت: "حتى إذا أخبروني أن ابني تُوفّي، فأنا راضية بقضاء الله، فقط أريد أن أعلم مكانه".

وبحسب والد ريّان، محمود الغبنتني (65 عاما)، فإنه كان دائم السعي لتوفير كل الضروريات لابنه للبقاء بينهم في تونس ومنعه من ركوب البحر في هجرة غير نظامية عبر المتوسط.

وأوضح الغبنتني الذي يعمل بحارًا: "لم أترك ابني محتاجا لأي شيء، ولكن في الأخير أخذ المحرك الكهربائي الذي يستعمل في قارب الصيد، وانطلق في رحلته مع أصدقائه نحو إيطاليا".

ولا يختلف الأمر كثيرا لعائلة "أسامة الصيد"، الذي شارك أصدقائه في رحلة الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإيطالية.

وقالت عائشة (40 عاما)، والدة أسامة: "منذ تاريخ خروج أبنائنا في 2019، لا نعرف أي معلومة عن مكان تواجدهم".

واستدركت: "في الفترة الماضية، تواصل معي شخص وقال لي بأنه كان مع ابني لـ7 أشهر في إحدى المعتقلات الخاصة بالمهاجرين (أماكن إيواء مهاجرين غير نظاميين) في مالطا".

وأضافت عائشة التي تعمل موظفة: "قدّمت كل المعلومات للسلطات المحلية ووزارة الخارجية التونسية، ولم أظفر بأي جواب إلى غاية الآن".

وأردفت قائلة: "أطلب فقط أن تطمئنني دولتي على مصير ابني، وأنا مستعدّة للذهاب على حسابي الشخصي إلى إيطاليا والتكفل بكل المصاريف".

وطلبت عائشة أن يكون معها "فقط ممثل عن سفارة تونس لدى إيطاليا للدخول إلى كل مراكز إيواء المهاجرين، للبحث عن ابني وأصدقائه".

وفي محاولة سابقة، قال محمود الغبنتيني (والد أحد المفقودين) إن ابنه الثاني القاطن بفرنسا، بحث عن أبناء منطقته في كل من مالطا وجزيرة "سيسيليا" الإيطالية، ولم يجدهم هناك أو يحصل على أي معلومة عن مكان تواجدهم.

ومنذ عام ونصف تحاول عائلات المهاجرين غير النظاميين البحث عن أبنائها من خلال التواصل مع وزارة الخارجية التونسية، وتنظيم وقفات احتجاجية للتعريف بقصيتهم.

** مجتمع مدني يتحرك

منير الجبالي، منسق تحركات أبناء المفقودين في أجيم، قال للأناضول: "تواصلنا مع جميع المنظمات الحقوقية، والسلطات الجهوية، ووزارة الخارجية التونسية، ولكن للأسف يوجد غياب كلي للسلطة".

وأوضح الجبالي: "عندما توجهنا إلى المسؤول المحلي في جهتنا قال لنا يوجد لدينا 3 آلاف مواطن ضائع في البحر، وكأنه يريد أن يقول العدد هو نفسه سواء كان 3 آلاف أو 3 آلاف و9".

وتابع: "نحن ضد الحرقة (الهجرة غير النظامية) ولكن الشباب التونسي يشعر بالغربة النفسية في بلاده، فكيف نطلب منهم البقاء في البلاد وهو لا يملك فيها أي شيء".

وأجيم منطقة ساحلية، يعيش أغلب سكّانها على الصيد البحري، وتشكو المدينة من تزايد نسبة البطالة بين الشباب ما دفع الكثير منهم الى الهجرة غير النظامية خلال الأعوام الماضية.

ويعتبر الشاب سامي بن يحيى (35 عاما) أن السياسة المتبعة للدولة في حل مشاكل الشباب هي السبب الأول للهجرة غير النظامية.

وذكر بن يحيى، للأناضول، أنه "عند التوجه إلى وزارة الخارجية، قال مسؤولون لعائلات المفقودين، إن الوزارة ليست الجهة التي دفعت الشباب للهجرة، في حين أنني أرى أن الحكومة مسؤولة عن الهجرة".

وتابع: "المسؤولون يعتبرون أن تُراب البلاد يمكن أن يكون مقبرة للشباب لا غير، لهذا فالكثير من التونسيين هاجر لأسباب مادية ولإحساسهم بالظلم".

** السلطات المحلية "متعاطفة"

من جهتها، قالت كوثر القرطسي، نائبة رئيس بلدية أجيم، إن "المنطقة تعيش وضعية اجتماعية صعبة جدا، وأنا متعاطفة مع قضية المفقودين".

وأضافت القرطسي: "أنا ألوم الشباب بسبب اللوعة الكبيرة التي تركوها في قلوب عائلاتهم، ولكن في الحقيقة لا توجد مشاريع تنموية في الجهة وهذا ما نسعى لجلبه إلى المنطقة".

وأشارت إلى أنه "إذا هاجر اليوم 9 من أبناء المنطقة، فغدا يمكن أن يهاجر الآلاف أيضا".

ويثار هذه الأيام في تونس، وبشكل كبير موضوع الهجرة غير النظامية، بعد أن بثت التلفزة الوطنية التونسية، خلال شهر رمضان مسلسلا من 20 حلقة بعنوان "حرقة".

ولقي المسلسل متابعة واسعة لدى التونسيين غير أن "أم أسامة" لم تتمكن من متابعته نظرا للوعة الحزن الكبيرة التي تشاركها مع أبطال المسلسل.

وقالت عائشة الصيد (أم أسامة): "لم أستطع متابعة مسلسل (حرقة) كبقية التونسيين، لأنني أعيش الحرقة الحقيقية بشكل يومي منذ 2019".

وتشير أرقام رسمية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) أن 12 ألفا و883 مواطن وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر خلال العام 2020.

وبحسب المنتدى، فإن أهم أسباب الهجرة غير النظامية، تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وانسداد الآفاق المستقبلية بالبلاد.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.