الدول العربية, التقارير

تونس.. نساء حطمهن نير الاستبداد ينتظرن إنصاف "العدالة الانتقالية" (تقرير)

تشهد تونس منذ نهاية مايو / أيار الماضي، محاكمات للمتهمين في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان زمن الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

16.11.2018 - محدث : 16.11.2018
تونس.. نساء حطمهن نير الاستبداد ينتظرن إنصاف "العدالة الانتقالية" (تقرير)

Tunisia

تونس / يسرى ونّاس / الأناضول

نساء في تونس ذُقن ويلات العذاب في غياهب السجون ومراكز التحقيق بأيادي "جلادين" تفننوا في ممارسة أشكال مختلفة من الانتهاكات، في ظل نظام حكم بالحديد والنار لعقود.

يقفن اليوم ليتحدثن "بشجاعة" في محاكمات "العدالة الانتقالية" علهن يجدن من ينصفهن ويرد الاعتبار لهن، ولعل "قصصهن" تبقى محفورة في الذاكرة حتى لا يمحو التاريخ ما مضى.

وسط مخاوف من "بترها"، تجري منذ نهاية مايو / أيار الماضي محاكمات للمتهمين في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان زمن الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة (1956 ـ 1987) وزين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).

ومن بين المتهمين في هذه القضايا الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وعدد من وزرائه، وكوادر أمنية (أغلبهم لا يحضرون الجلسات) متهمون بممارسة التعذيب والاغتصاب والاعتداء الجنسي والاحتجاز‎.

وقبل شهر، عرضت أول قضية انتهاك لحقوق امرأة على محكمة نابل (شرق) بمتابعة "كل من تورط" في تعذيب المناضلة بسمة بلعي.

بسمة التي أدلت بشهادتها (بثتها قنوات التلفزيون ضمن جلسات استماع علنية نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة منذ أشهر)، إلى جانب مئات النساء ينتظرن اليوم "رد اعتبار" و"جبرا للضرر" قد يأتي وقد لا يأتي.

وتحدثت بسمة عن تعرضها وشقيقتها الصغرى للتحرش والتهديد بالاغتصاب، إلى جانب التعذيب الوحشي من قوات الأمن.

** خطوات أولى نحو تتويج مسار العدالة

وتعتبر روضة القرافي الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين (مستقلة)، أن "المشهد اليوم متحول ومتغير، والقضاء ينصب للاستماع للضحايا وللقطع مع ممارسات سابقة".

تقول القرافي للأناضول، "محاكمات اليوم تعد عناوين لخطوات أولى في طريق تتويج مسار العدالة الانتقالية بأحكام في مستوى ما ارتكب من جرائم فظيعة".

وتضيف "عندما يكتمل هذا المسار بأحكام رادعة وبحجم ما اقترف من تعذيب... وبالتالي هناك رد اعتبار للنسوة اللاتي تعرضن للقمع عقابا على تمسكهن بالنشاط السياسي أو المدني السلمي وبحرية التعبير".

ومضت قائلة "في تلك المحاكمات ننتظر رد اعتبار وكرامة، وإنصافا لهن بعد ما تعرضن له من انتهاكات".

ولفتت إلى أن "التعويضات المادية عن الضرر الذي لحق بهن مهمة أيضا لمن طلب هذا التعويض (هناك من لم يطلب)".

** مسار محفوف بالمخاطر

واستدركت بالقول: "كان مسار العدالة الانتقاليّة محفوفا بالمخاطر منذ انطلاقه، لأنها (العدالة الانتقالية) تواجه رفضا ومقاومة قد تكون من مسؤولين عن انتهاكات الماضي، وبينهم من يوجد على الساحة حاليا داخل أحزاب في الحكم وخارجه، وفي السلطتين التشريعية أو التنفيذية".

وتابعت أن "عديد المؤسسات الإعلامية لا تقبل بهذا المسار وتعتم عليه، ولم تعطه حقه حتى يفهم التونسيون العدالة الانتقالية بمختلف جوانبها".

وذكرت أن من يساهم في ذلك "كل الفاعلين في المنظومة الاستبدادية، وبعض الهياكل النقابية الأمنية التي تستعدي هذا المسار".

وشددت على أن دور المجتمع المدني أساسي وحاسم لسلامة مسار العدالة الانتقالية، فصمام الأمان هي منظمات المجتمع المستقلة التي تدافع عنه.

من جانبها، اعتبرت ابتهال عبد اللطيف أن "مسار العدالة محفوف بالعديد من التحديات، ولكن وعي الضحايا بحقوقهم وفهمهم لمبادئ العدالة الانتقالية يحمي المسار".

وتابعت أن "انتهاء مهام هيئة الحقيقة والكرامة لا يعني انتهاء مسار العدالة الانتقالية".

وتقدم الهيئة تقريرا نهائيا بعد ختام مهامها (31 ديسمبر / كانون الأول المقبل) يشمل توصيات وقرارات، إضافة إلى فصل مخصص للنساء ضحايا الانتهاكات لكشف أنواع الانتهاكات التي مورست بحقهن.

كما عبرت عن "ثقة الهيئة في القضاء، ونتمنى مواصلة كشف الحقيقة والغرض من ذلك ليس التشفي والانتقام، ولكن لا بد من تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب".

وتابعت أن "الهدف من المحاكمات هو إصلاح المؤسسات السجنية ومراكز الشرطة، لاحترام حقوق الإنسان في التعامل مع أي متهم حتى لا يواصل من مارس تعذيبا في السابق مهامهم".

وتضيف عبد اللطيف أن "الهيئة أحالت إلى المحاكم المختصة الملفات التي يثبت فيها جسامة الانتهاك في حقبات زمنية مختلفة".

وأردفت أن أغلب ملفات الضحايا النساء متعلقة بجرائم التعذيب والانتهاكات الجنسية والاغتصاب.

واعتبرت أن "الأثر النفسي الذي خلفته تلك الممارسات يصعب اندماله لأنها حطمت نساء وعائلاتها وأبناءها".

فيما طالبت نجوى الرزقي، وهي سجينة سابقة عن حزب العمال الشيوعي التونسي، بمسار "كامل للعدالة الانتقالية".

وقالت للأناضول في هذا الخصوص، أردنا كشف الحقيقة، وبعدها محاسبة الجلادين، ليس بمنطق التشفي، فلا يجب أن ننسى جرائمهم من اغتصاب وتعذيب.

وأكدت: "نحن متمسكون بالمسار بغض النظر عن هيئة الحقيقة والكرامة.. نريده مسارا كاملا من كشف حقيقة ومحاسبة، فمصالحة وتعويض".

** لحظات تاريخية

وتابعت الرزقي "مجرد أن يعرف الجميع أن هناك من تعرضن للتعذيب زمن الاستبداد باعترافهن وكشفهن للحقيقة في لحظات تاريخية عاشها التونسيون.. فإن في ذلك ردا للاعتبار للمرأة ولكل الضحايا".

ومضت قائلة: "وقفت ضحية كبسمة البلعي وتحدثت بكل شجاعة عما اقترف من فظائع لها دون خوف أو خجل، فسابقا ـ أمام جلاديها ـ لم تكن قادرة على ذلك".

** حفظ الذاكرة إنصاف للمرأة

تقول ليلى البجاوي شقيقة سجينة سياسية سابقة عن حركة النهضة في عهد بورقيبة، "نحن مع مسار العدالة الانتقالية.. فهو المسار الوحيد القادر على إنصاف المرأة ورد الاعتبار لها".

وتضيف البجاوي، وهي أيضا عضو بالتحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار (يضم جمعيات حقوقية ونسائية)، أن رد الاعتبار للمرأة قد يكون بالوصول في نهاية المسار إلى حفظ الذاكرة وضمان عدم تكرر مثل تلك الأفعال والانتهاكات بحقها.

وأشارت إلى أن ذلك لا يمكن تحقيقه دون المرور عبر القضاء لتفكيك المنظومة الاستبدادية بكاملها.

كما لفتت إلى أن الكثير من الضحايا يطالبن الدولة بتقديم الاعتذار، خاصة أن ما تعرضن له كان ممنهجا، ومورس وتكرر في أكثر من مدينة.

ونوهت بحجم الفظائع التي جرت لبعضهن من اغتصاب وتحرش، وتعذيب الإخوة والأزواج، وبعضهن فقدن القدرة على الإنجاب.. وهناك من تعرضت لاستئصال الرحم.

وحذرت من حملة كبيرة تشن "ضد استكمال مسار العدالة الانتقالية"، مضيفة: مصممون على ضرورة عدم الالتفاف على العدالة الانتقالية.

و"الحقيقة والكرامة"، هيئة دستورية مستقلة تم تأسيسها بمقتضى القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، بهدف ضمان مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، وهي تشرف على تطبيق قانون العدالة الانتقالية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.