اليمن.. تدهور قياسي للريال يفاقم الوضع الإنساني (تقرير)
- لأول مرة يبلغ سعر الدولار نحو 2600 ريال بعد أن كان يساوي 215 ريالا قبل عشر سنوات

Yemen
اليمن / الأناضول
- لأول مرة يبلغ سعر الدولار نحو 2600 ريال بعد أن كان يساوي 215 ريالا قبل عشر سنوات- الباحث الاقتصادي ماجد الداعري: انهيار العملة كارثة إنسانية بحق شعب جائع منكوب يعاني أزمة إنسانية
- الصحفي المختص بالاقتصاد وفيق صالح: انهيار العملة مؤشر واضح على حجم الاختلال بالسياسات الرسمية
يشهد الريال اليمني تدهورا غير مسبوق فاقم من معاناة المواطنين وتدهور الوضع الإنساني وأدى إلى حالة سخط كبيرة في صفوف المواطنين في البلد الذي تصنّفه الأمم المتحدة ضمن أكثر الدول معاناة من الأزمات الإنسانية، ويعيش غالبية سكانه تحت خط الفقر.
وحسب مصادر مصرفية للأناضول، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في تعاملات الخميس نحو 2600 ريال يمني، في أدنى مستوى للعملة الوطنية منذ بدء الحرب مطلع 2015، حين كان الدولار يعادل نحو 215 ريالا فقط.
وأدى هذا التراجع القياسي للريال إلى وقف بيع وشراء العملات في محلات الصرافة بمناطق سيطرة الحكومة خشية استمرار الانهيار في العملة مع غياب الحلول، حسب مصادر محلية.
ومنذ سنوات يعاني اليمن من وجود سعرين متباينين لصرف الدولار أمام الريال، إذ يتم صرف الدولار حاليا في مناطق سيطرة الحوثيين بنحو 535 ريالا (طبعة قديمة تعاني من قلة السيولة) مقارنة بقرابة 2600 ريال (طبعة جديدة ذات وفرة يحظرها الحوثيون) في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وبينما سعر العملة في مناطق سيطرة الحكومة قائم على العرض والطلب، يفرض الحوثيون سعرا محددا بعيدا عن التعويم.
** احتجاجات شعبية
كما أدى استمرار تدهور العملة إلى خروج عشرات السكان في احتجاجات بمدينة عدن جنوب اليمن، الاثنين، مطالبين بسرعة العمل على وقف انهيار الريال وإصلاح الخدمات العامة.
وسبق أن أكدت الحكومة أنها تعاني من أزمة مالية حادة جراء استمرار توقف تصدير النفط منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد هجمات لجماعة الحوثي استهدفت موانئ نفطية.
وتشترط الجماعة التوافق على تقاسم إيرادات النفط واستخدامها لصرف رواتب الموظفين في عموم البلاد.
** تدني للأجور وشح فرص العمل
وحول تداعيات انهيار الريال اليمني، قال المواطن محمد مصلح المقيم في محافظة تعز (جنوب غرب) إن "الأسعار أصبحت مرتفعة بشكل غير مسبوق جراء انهيار العملة، بينما الأعمال شحيحة وبمردود بسيط لا يكفي لشراء أدنى مقومات الحياة".
وأضاف للأناضول: "أعمل بالأجر اليومي، ويتراوح أجري بين 11 ألفًا إلى 14 ألف ريال (نحو 6 دولارات)، في مهن البناء أو الزراعة أو النجارة، لكن الأجر يظل محدودًا أمام استمرار ارتفاع الأسعار وشُح فرص العمل".
وتابع مصلح الذي يعيل أسرة من خمسة أشخاص: "في الماضي كان أجر العامل ثلاثة آلاف ريال يستطيع به توفير جميع المتطلبات، لكن الآن لا يوازي الأجر اليومي قيمة 4 لترات من زيت الطعام".
وأردف: "كل يوم يمضي نعيش في همٍّ كبير جراء غياب فرص العمل واستمرار ارتفاع الأسعار وعدم استطاعتنا تأمين الحاجات الضرورية للعيش، وكلما انهار الريال تنهار حياتنا".
ومضى قائلا: "نتمنى أن نؤمن قوت أسرنا بالحاجات الضرورية فقط، أما المتطلبات الأخرى فقد استغنينا عنها".
** انهيار مجالات الحياة
وحسب رصد الأناضول، فإن الريال اليمني تراجع بنسبة أكثر من مئة بالمئة منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل /نيسان 2025، إذ كان سعر الدولار حينها نحو 1100 ريال.
ويأتي هذا التدهور الجديد وسط تحذيرات من تداعيات قاسية على اليمنيين، إذ يعيش نحو 80 بالمئة منهم تحت خط الفقر بحسب تقارير الأمم المتحدة.
ويقول الباحث الاقتصادي ماجد الداعري إن "الانهيار القياسي للريال يؤدي إلى انهيار الأوضاع الإنسانية والمعيشية وكل مجالات الحياة في اليمن" .
وأضاف للأناضول أن "انهيار العملة يمثل كارثة إنسانية بحق شعب جائع منكوب بكل الأزمات، ومصنف بأنه من أكثر الشعوب التي تعاني أزمة إنسانية ومجاعة، وفق تقارير الأمم المتحدة".
وفي مايو/أيار 2020 قالت اليونيسف إن اليمن تشهد "أكبر أزمة إنسانية في العالم" وقدرت أن 80 بالمئة من السكان (أكثر من 24 مليون شخص) بحاجة لمساعدات إنسانية.
واعتبر الداعري التراجع القياسي للريال بأنه "يضرب الاقتصاد الوطني والدخل القومي ويصيب المواطنين والموظفين بمقتل في دخلهم ومرتباتهم".
وأشار إلى أن "المواطنين باتوا عاجزين عن الإيفاء باحتياجاتهم المعيشية والقيام بأي من التزاماتهم الغذائية والصحية والتعليمية تجاه أسرهم وأطفالهم جراء تدهور العملة ".
وحول أسباب انهيار العملة قال إن ذلك "نتاج طبيعي لانهيار الاقتصاد الوطني وغياب وتعطيل موارد الدولة وتوقف تصدير النفط واستشراء الفساد وغياب الرقابة والمحاسبة وعدم تفعيل سلطة القضاء"، وفق تعبيره.
** زيادة معدلات الفقر والبطالة
ويحذر خبراء من أن استمرار تدهور العملة يدفع تلقائيا إلى ازدياد الفقر والبطالة ويزعزع الثقة بالاقتصاد الوطني.
ويرى الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي وفيق صالح أن "تدهور الريال اليمني يقضي على القدرة الشرائية للسكان، فضلا عن تآكل الأجور والمرتبات، وزيادة الأزمات في السلع والمواد الغذائية".
وأضاف أن "الاضطراب المستمر في قيمة العملة يمثل عاملا رئيسيا في تدهور الأوضاع المعيشية، وزيادة منسوب التضخم العام للأسعار، وتراجع الأنشطة التجارية، كما يزعزع الثقة بالاقتصاد ويؤدي إلى هروب الاستثمارات وتوقف حركة النمو، ما يؤدي إلى تراجع فرص العمل وزيادة معدلات الفقر والبطالة".
واعتبر أن "أزمة انهيار العملة اليمنية، تعطي مؤشرا واضحا على حجم الاختلالات في السياسات الرسمية، بشقيها المالي والنقدي"، مشيرا إلى أن ثمة فجوة كبيرة في السياسات المالية للحكومة مع تراجع حجم الموارد العامة، وزيادة النفقات المالية والالتزامات الحكومية".
ونبه إلى أن "هذه الفجوة تبرز أكثر مع تشتت الموارد وخروج بعضها عن الخدمة وتعطيل الصادرات الخارجية، علاوة على غياب البدائل الملائمة لتعويض توقف الصادرات النفطية".
وأضاف صالح أن السياسة النقدية تعاني من الانقسام المصرفي بين الحكومة والحوثيين، ما يؤدي إلى "تزايد تأثير السوق السوداء في مسار حركة سعر الصرف، ويفقد السياسة النقدية للبنك المركزي فعاليتها في النشاط المالي والمصرفي".
وأشار إلى أن "البنك المركزي يعاني من غياب أدوات الضبط الصارمة، ما يشجع السوق السوداء والمضاربين على زيادة أنشطتهم غير المشروعة في التلاعب بسعر الصرف، والإضرار بأقوات المواطنين".
ومنذ أبريل/نيسان 2022 يشهد اليمن تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 10 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية وقوات جماعة الحوثي المسيطرة على محافظات ومدن بينها صنعاء، منذ 2014.