السنيورة: لبنان يقترب من لحظة "الارتطام الكبير" (مقابلة)
رئيس الحكومة اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة لـ"الأناضول": - أطراف داخلية وخارجية، تشترك في تحمل مسؤولية الأزمة الراهنة في لبنان

Lebanon
بيروت/ وسيم سيف الدين/ الاناضول
رئيس الحكومة اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة لـ"الأناضول":- أطراف داخلية وخارجية، تشترك في تحمل مسؤولية الأزمة الراهنة في لبنان
- المعرقل الأول لتشكيل الحكومة هو رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل
- تركيا لها دور كبير يمكن أن تلعبه، بما يؤدي إلى تصحيح الخلل الاستراتيجي في المنطقة
- يمكن للرئيس رجب طيب أردوغان أن يتوج قيادته للجمهورية التركية بهذه الانعطافة نحو إنشاء علاقات صحيحة مع كل دول المنطقة العربية
- تركيا حقّقت، خلال العقدين الماضيين، تقدما كبيرا على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وإنتاجي
رأى رئيس الحكومة اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة أن لبنان يقترب من لحظة "الارتطام الكبير"، بسبب تفاقم أزماته السياسية والاقتصادية المتراكمة، لافتاً إلى أن لتركيا دورا كبيرا يمكن أن تلعبه، بما يؤدي إلى تصحيح الخلل الاستراتيجي في المنطقة.
كلام السنيورة جاء في مقابلة مع "الأناضول" حول الأزمة اللبنانية المستعصية، وانعكاساتها داخلياً وخارجياً.
ويمر لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وأدت الأزمة المتصاعدة إلى انهيار مالي غير مسبوق، خاصة مع تداعيات جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت أغسطس/آب 2020.
وأوضح السنيورة أن أمورا عدة يمكن أن يتم فيها التعاون مع تركيا والمنطقة العربية، انطلاقاً من المصالح المشتركة، وبغية تحقيق توازن استراتيجي أفضل.
وأشار إلى أن "استمرار إسرائيل باعتداءاتها، ووجود خصومة كبيرة بين إيران والدول العربية، أدى إلى خلل في التوازن الاستراتيجي في المنطقة العربية. وأعتقد أن لتركيا دورا كبيرا يمكن أن تلعبه، وبالتالي يؤدي إلى تصحيح هذا الخلل، وبشكل يعود بالخير على تركيا".
وقال: "لتركيا دور مهم يمكن للرئيس رجب طيب أردوغان أن يقوم به، وأن يتوج قيادته للجمهورية التركية بهذه الانعطافة نحو إنشاء علاقات صحيحة مع كل دول المنطقة العربية، من أجل تعزيز هذه العلاقات الاقتصادية وأيضا الشعبية والسياسية".
واعتبر أن تركيا حقّقت، خلال العقدين الماضيين، تقدما كبيرا على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وإنتاجي.
وأضاف: "يجمعنا مع تركيا أيضا البحر المتوسط الذي يفتح مجالات كبيرة من التعاون المشترك، بما فيه مصلحة للجميع، على أن يقوم على أساس الاحترام الحقيقي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول".
ولفت إلى أن "التقارب المصري التركي، الذي أنتج استقرارا في ليبيا وأدى إلى إنهاء المشكلة، يعد خطوة مهمة جدا ويجب أن نعوّل عليها ويُصار إلى استثمارها بشكل سليم، بما يعود بالخير على تركيا وعلى المنطقة العربية".
وأردف: "من شأن هذه الخطوة أن تعزز الاستقرار وتخفف من هذا الجموح الكبير الذي تتصرف به إسرائيل، التي هي عدو لنا، وإيران التي بيننا وبينها خصومة شديدة".
** حزب الله أداة إيرانية
وقال السنيورة إن "التجربة التي شاهدناها حتى الآن أثبتت أن إيران تستخدم "حزب الله" لتنفيذ أجندتها في المنطقة، في سوريا والعراق واليمن. إذ تعتبر إيران أن ذلك يحميها من الضغوط التي قد تمارس عليها جراء تدخلها في المنطقة، والذي هو نتاج سياسة ولاية الفقيه العابرة لكل الحدود السياسية".
ورأى أن الأمر يخلخل الاستقرار في المنطقة، ودعا إيران إلى أن تنظر إلى الأمور بمقاربة جديدة تقوم على بناء علاقات مع جيرانها على أسس من الصداقة والاحترام والندية.
** جذور الأزمة في لبنان
وعن تفاقم الوضع اللبناني الداخلي، اعتبر السنيورة أن أطرافاً عدة، داخلية وخارجية، تشترك في تحمل مسؤولية الأزمة الراهنة في لبنان.
ورأى أن لهذه الأزمة الأثر الكبير في حصول الانهيار في ثقة اللبنانيين بالحكومة وبعهد رئيس الجمهورية ميشال عون وكل المنظومة السياسية، فضلاً عن انهيار ثقة المجتمعين العربي والدولي بلبنان ومستقبله.
وقال إن جميع المؤشرات كانت تُظهِر أن هناك تدهورا في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان، إثر سيطرة "حزب الله" على مفاصل الدولة في عام 2011، ورغبة إيران في بسط نفوذها على لبنان والمنطقة.
وقال السنيورة إن هذا الأمر غير قابل للاستدامة، معتبراً أن "ما يجري في لبنان الآن يشكل عامل تفجر كبير، وهناك استعصاء مستمر على الإصلاح الذي كان اللبنانيون يتطلعون إليه مع التسوية السياسية عام 2016 التي أتت بعون رئيسا للبلاد".
** هل انتهى اتفاق الطائف؟
رأى رئيس الحكومة الأسبق أن المشكلة اللبنانية لا تكمن في النظام، بل في تطبيق وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) الذي لم يُطبق كاملا. وهو اتفاق وُقّع عام 1989 بين أطراف الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وشكل مبدأ "التعايش المشترك" بين الطوائف المختلفة وتمثيلها السياسي.
وقال إن "اتفاق الطائف" وُضِع ليُنهي الحرب الأهلية ويضع أسساً لتطوير النظام، لأنه جعل لبنان بلدا عربيا بانتمائه ودولة نهائية لجميع أبنائها. إذ نص الاتفاق على اللامركزية الإدارية الموسعة، إضافة إلى مجلس شيوخ، لكي يحترم التنوع في البلد ويحافظ عليه.
ولفت إلى أن النظام السوري أعطي نوعا من الوصاية على لبنان، "غير أنه طبق الأمور وفق ما يشتهيه هو، وبما يناسب مصالحه ورغبته في الإطباق على الدولة اللبنانية، إذ استخدم لبنان كدرع له في صراعه مع إسرائيل. فكانت الجبهة السورية هادئة على مدى سنوات منذ عام 1973، فيما كان الجبهة اللبنانية مفتوحة".
وقال: "يُحاول البعض التعمية عن هذه المشكلة من خلال القول إن النظام (اللبناني) لم يعد ينفع، وبالتالي علينا أن نفتش عن بدائل (حلول) أخرى، مثل الفيدرالية".
وسأل السنيورة: "كيف يكون تطبيق الفيدرالية، وهي تعتمد على مركزية السياسة الخارجية والدفاعية والمالية، بينما الخلافات في لبنان الآن على هذه الأمور؟".
ورأى أنه لا الفيدرالية ولا الكونفدرالية، ولا حتى التقسيم، يحل المشكلة اللبنانية. الحل يكمن في العودة إلى الالتزام واحترام اتفاق الطائف واستكمال تطبيق بنوده، وأيضا احترام الدستور والقانون اللبناني.
** تعثر تشكيل الحكومة
في السياق، قال السنيورة إن المعرقل الأول لتشكيل الحكومة في لبنان هو رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، لأنهما يريدان أن يتسلّطا على الحكومة، وعينهما على الانتخابات الرئاسية المقبلة (في 2022)، وأن يكون لباسيل الحظ في أن يصبح وريث عمّه.
وأشار إلى وجود استعصاء آخر في تشكيل الحكومة من "حزب الله" الذي يريد أن يحتفظ بالورقة اللبنانية لمصلحة إيران في عملية المفاوضات الجارية في فيينا حول الملف النووي، ويستعملها في زيادة قدرته التفاوضية.
ورأى أن "لبنان في حالة جمود سلبي، أي أنه لا تقدم على الإطلاق في الأزمة بسبب الانهيار الكبير في الثقة الذي ينعكس انهياراً اقتصادياً ومالياً".
واستطرد: "لكن هناك مشكلة بسبب عدم قدرة رئيس الجمهورية وحزب الله على القيام بالخطوات اللازمة للبدء بالإصلاحات".
وشدد على ضرورة تأليف حكومة برئاسة سعد الحريري من المستقلين وغير الحزبيين، لكي تستطيع أن تتولى قيادة هذه المرحلة وتقوم بالإصلاحات اللازمة، وتستعيد ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
وقال إن حكومات "الوحدة الوطنية" التي تشكلت منذ 2008 أثبتت فشلها، إذ لم يكن لمجلس النواب قدرة على محاسبتها، لأن أعضاء كل حكومة هم انعكاس للقوى الموجودة في البرلمان.
ورأى أنه بعد الخسارات التي لحقت بلبنان في علاقته بالعالم، إثر الانهيار في ثقة المجتمعين العربي والدولي، كان من الضروري أن يقوم الحريري بزيارات خارجية، بغية استطلاع آراء الدول الخارجية.
وشدد على أهمية الزيارة الأخيرة التي قام بها الحريري إلى الفاتيكان، ولقاء البابا فرنسيس، لأن هناك من يسعى إلى اظهار الخلافات حول تشكيل الحكومة وكأنها انعكاس لمشكلة طائفية.
** العرب والأزمة اللبنانية
كما رأى السنيورة أن الزيارات العربية الأخيرة لبيروت تعبّر عن الاهتمام لدى المسؤولين العرب بلبنان، لأنه فعليا يقترب من لحظة "الارتطام الكبير"، لافتاً إلى أن ذلك له تداعياته الداخلية (الأمنية) الخطيرة، كما له انعكاساته في المنطقة.
لكنه اعتبر أن أن محبة الأشقاء العرب للبنان لا تنفع في الوقت الراهن، لأن كل بلد مشغول بمشكلاته المختلفة، وخصوصاً تلك الناتجة عن جائحة كورونا، وعلى اللبنانيين أن يتفهموا ذلك جيداً.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.