الدول العربية, التقارير

الخرطوم .. "سوق أم درمان" تراث تمرد على الحداثة (تقرير)

يشكل سوق أمدرمان، غربي الخرطوم، معلمًا بارزًا من تاريخ التراث السوداني، لاحتوائه على منتجات يدوية من الجلد الطبيعي، والخشب، والخزف، ما جعله وجهة بارزة للمواطنين، والسياح الأجانب.

13.12.2019 - محدث : 15.12.2019
الخرطوم .. "سوق أم درمان" تراث تمرد على الحداثة (تقرير)

Hartum

الخرطوم/ بهرام عبد المنعم/ الأناضول

- يحتوي على منتجات يدوية من الجلد الطبيعي، والخشب، والخزف
- السوق وجهة بارزة للمواطنين والسياح الأجانب على حد سواء
- تفوح من أزقته الضيقة عبق الماضي قبل أبخرة العطارين الفوَّاحة

يشكل سوق أمدرمان، غربي الخرطوم، معلمًا بارزًا من تاريخ التراث السوداني، لاحتوائه على منتجات يدوية من الجلد الطبيعي، والخشب، والخزف، ما جعله وجهة بارزة للمواطنين، والسياح الأجانب.

تبدأ جغرافية السوق، من مبنى "البوستة" أو البريد العتيق جنوبا، وتنتهي بحى "المسالمة" العريق شمالا، إضافة لشارعي "كرري" شرقا، و"الشنقيطي" غربا.

تاريخ السوق يعود إلى نحو قرنين، وهو نموذج مصغر لمدينة أمدرمان التاريخية، التي تعتبر العاصمة القومية للسودان، التي تعيش فيها الأعراق والديانات المختلفة، الإسلامية واليهودية والمسيحية والبوذية.

ففي هذا السوق الكبير كانت محلات التجار الهنود، وتجاور محلات الأقباط، الذين جاؤوا من صعيد مصر ويتخصصون في المنسوجات والمفروشات.

كما تنتشر في السوق محلات اليمنيين أو "اليمانية"، الذين يشتهرون بتخصصهم في مجال البقالات، ولا يزال موقع محل "العدني" شهيرا ودليلا للسياح الأجانب رغم اندثاره من على وجه الأرض.

وهناك سوق اليهود، الذي ما زال يحمل اسمه رغم مغادرة أصحابه للبلاد في السبعينيات.

السوق قديم، وظل يقاوم الحداثة باستمرار، لكنه متجدد بذوق وفن ومهارة الحرفيين بداخله، وعندما تزوره صباحا أو مساء، تجد كل ما تحتاجه، وتفوح من أزقته الضيقة رائحة عبق الماضي قبل أبخرة العطارين الفوَّاحة، بينما ترفرف روح العصر قبل أجنحة طيور الزينة.

ومع انتشار المحلات العصرية والمباني الشاهقة، والمولات في جميع أنحاء العاصمة الخرطوم، ما زال سوق أمدرمان محتفظا بنكته التراثية، وبماضيه القديم في صناعة المنتجات المحلية.

إنه السوق المتمرد على الشيخوخة، فكلما زاد عمره ازدادت حيويته ورونقه وبهائه، لكنه تأثر سلبا وإيجابا بثورة ديسمبر من العام الماضي، التي أنهت حكما للرئيس المعزول عمر البشير التي امتدت لــ30، خاصة من الناحية الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم، وغلاء الأسعار، وحركة السياح الأجانب.

بالنسبة إلى التاجر، الفاتح إبراهيم السيد، فإن "سوق أمدرمان"، شهد ركودا شديدا بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، لتصاعد معدلات التضخم، وعدم استقرار الأسعار، وأن التاجر أصبح ليس مطمئنا من ناحية البيع والشراء.

وأضاف السيد، في حديثه للأناضول، "الحكومة الانتقالية الجديدة وعدتنا بالتغيير، ونطمح في تحقيق الأمن الاقتصادي والغذائي، وعودة الرخاء في الحياة العامة".

وتصاعد معدل التضخم السنوي في السودان إلى 60.67 بالمئة خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقابل 57.70 بالمئة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

كما صعد معدل التضخم في المناطق الريفية، إلى 63.40 بالمئة في نوفمبر مقابل 58.73 بالمئة في أكتوبر.

وتستهدف الموازنة السودانية، للعام الجاري، إبقاء معدل التضخم في حدود 27 بالمئة، مع معدل نمو 5.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 4 بالمئة في 2018.

ويعاني السودان من أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية)، إلى أرقام قياسية مقابل الدولار الواحد.

عندما تدلف إلى الأزقة الضيقة، يلفت انتباهك سوق الحرفيين القديم الذي يتوارث أصحابه مهارات التصنيع، ويبدو الحرفي جالسا على الأرض، هادئا لا يصدر صوتا ولا يلتفت ولا يأبه لحركة المارة، ولن تسمع شئيا سوى الهدير الواهن لماكينات الخياطة قديمة الطراز.

ويجلس الحرفيون مستغرقون في صناعة الأحذية والأحزمة والحقائب الجلدية المصنوعة من جلد التماسيح والثعابين الكبيرة وجلد الأغنام، وآخرون يعملون في صناعة المنحوتات الخشبية والأواني الفضية.

كما تنتشر بالسوق، بائعات الشاى والقهوة، اللائي يضعن المواقد إلى جانبهن وحولها مقاعد قصيرة، بينما لا يزال "القهوجي" يحتل حيزه من المشهد، فهو متمسك بتقاليده بحمل الأواني الدائرية وعليها الفناجين البيضاء، وتراه يمشي الهوينى ذهابا وإيابا على الدكاكين الصغيرة والمارة، لتوزيع قهوته، واستلام أمواله عند نهاية عمله.

أما التاجر، محمد الطيب، فيرى أن الحركة في "سوق أمدرمان" أحسن حالا من الفترة الماضية، لانتعاشه بصورة كبيرة بسبب زيادة حركة السياح الأجانب.

وشدَّد الطيب في حديثه للأناضول، على ضرورة تطوير السياحة والآثار في البلاد، وتنظيم المعالم السياحية باعتبارها تعكس وجه السودان في تقدمه وتطوره، خاصة وأن السياحة ثورة قومية.

وبلغت عائدات السياحة في السودان 1.5 مليار دولار خلال العام الماضي 2016، ومن المتوقع أن تصل 5 مليارات دولار عقب انتهاء الخطة الخمسية في 2020، وهو رقم يعادل أكثر من ثلث إيرادات الموازنة العامة، البالغة نحو 14 مليار دولار، للعام الحالي.

وتتوقع وزارة السياحة أن يتضاعف الرقم لمليوني سائح خلال العام الحالي، بعد توقيعها لاتفاق مع بكين، في نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، يسهل دخول مليون سائح صيني سنويا.

وفقدت البلاد 80% من مصادر العملات الصعبة، عندما انفصل جنوب السودان، مستحوذا على ثلاث أرباع حقول النفط، كانت تدر أكثر من 50% من الإيرادات العامة.

بالمقابل يرى، التاجر، محمد نادر مبارك، أن سوق الجلود، كان يشكو التهميش والإهمال في الفترة الماضية، لكن أصبح التجار القادمين من الولايات يأتون إلى "سوق أمدرمان" لشراء الجلود لصناعة "المراكيب" (أحذية محلية الصنع)، لأنها تعيش لفترة أطول، أكثر من الأحذية المصنوعة من البلاستيك.

وأضاف مبارك، للأناضول، "بعد ثورة ديسمبر ازدادت حركة طلاب الجامعات الذين يأتون إلى السوق لشراء الجلود بغرض صناعة الشنط الجلدية والإكسسوارات، لإقامة مشاريع صغيرة من أجل الكسب المادي".

ويشهد السودان تطورات متسارعة ومتشابكة، ضمن أزمة الحكم، منذ أن عزلت قيادة الجيش عمر البشير، من الرئاسة، في 11 ابريل/ نيسان الماضي، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي، تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın