دولي, أخبار تحليلية

"لوبوان" تتجاوز بحق أردوغان.. فتش عن إسرائيل (تحليل)

في عددها الصادر، أمس الخميس، اختارت المجلة لغلاف صورة كبيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كتب عليها "الدكتاتور"

25.05.2018 - محدث : 27.05.2018
"لوبوان" تتجاوز بحق أردوغان.. فتش عن إسرائيل (تحليل)

Tunisia
وليد شين، ليلى الثابتي/ الأناضول
لم تنقض سوى أيام قليلة على المجزرة الإسرائيلية في غزة، والتي برز فيها الموقف التركي الرافض لإرهاب تل أبيب بحق الفلسطينيين، حتى فاجأت مجلة "لو بوان" الفرنسية، الرأي العام الدولي بهجوم حاد يستهدف الرئيس التركي.
ففي عددها الصادر، أمس الخميس، اختارت المجلة لغلاف صورة كبيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كتب عليها "الدكتاتور".
هجوم يأتي ضمن حملة إعلامية شرسة تشي شواهد كثيرة بأنها تشكّل فاتورة دعم أردوغان للقضية الفلسطينية، وتكشف تعاملا انتقائيا غير مهني، وتجنيدا للأقلام، وتسييسا للإعلام بشكل فجّ.
تحامل لا أساس له، بدا أنه موجّه لتأليب الرأي الدولي العام ضد تركيا، حتى أن افتتاحية العدد المذكور التي كتبها المدير السابق للصحيفة، فرانز أوليفييه جيسبرت، جاءت تحت عنوان: "أردوغان، هل هو هتلر جديد؟".
افتتاحية يرى مراقبون أنها لم تحترم الموضوعية الصحفية المتعارف عليها، ولم تخش الكم الهائل من السخرية الذي من الممكن أن تفجره معطيات مغلوطة وأكاذيب لا أساس لها.
نبرة تحاملية مشحونة عداء نضحت من المقال الذي استعرض فيه صاحبة جيسبرت "نقاط التشابه العديدة بين هتلر وأردوغان!!".

** مغالطات تفندها الحقائق
ووفق الصحفي الفرنسي، فإن "أردوغان يصف أكراد سوريا بالإرهابيين، ويستمر في معاملة أكراد تركيا على أنهم أقل درجة من الإنسان، ويُقتّلون دون علمهم من قبل الشرطة".
اتهامات فجرت سخرية عارمة لدى الكثير من المتابعين الموضوعيين ممن يدركون أنه لم يسبق للرئيس التركي ولا لأي مسؤول حكومي في بلاده، أن وصف أكراد سوريا بـ"الإرهابيين"، وأن استخدام هذا التوصيف اقتصر على منظمة "ب ي د/ بي كا كا" الإرهابية.
جيسبرت استخدم عبارة "Untermenschen" الألمانية، والتي تعني "دون البشر" أو "مرتبة أقل من الإنسان"، وهي كلمة مشتقة من المعجم النازي، تضمينا لإشارة مقصودة إلى "التمييز" المفترض الذي يعاني منه الأكراد في تركيا، في تلاعب بالمصطلحات يفنّده الواقع التركي.
فتركيا التي فتحت أبوابها لـ3.5 مليون لاجئ سوري، وتعاملهم معاملة أبنائها، حتى أنه من الصعب أن يدرك المرء سكان البلاد الأصليين من ضيوفها، لا يمكن بداهة أن يميّز مسؤولوها بين أفراد شعبهم الواحد.
في تركيا، تنتفي التقسيمات الطائفية، ويجتمع الشعب تحت الانتماء للأمة التركية الواحدة، ويكفي بالنسبة لمن يراودهم الشك في هذا الأمر- الإشارة إلى أن التشكيلة الحكومية التركية الحالية تضمّ وزيريْن من الأكراد، دون الحديث عن عدد آخر منهم ممن تقلدوا حقائب مختلفة في حكومات سابقة بالبلاد.
وفي البرلمان، منبع التشريعات والقوانين، يوجد ما لا يقل عن 150 نائبا من الأكراد، ممن أظهروا دعما كبيرا، خلال الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم.
وفي الصفحة 50 من المجلة، ورد مقال آخر بعنوان "عفرين، القرية الشهيدة"، ضمنه صاحبة أيضا كما من التأويلات والقراءات المغلوطة بشكل متعمّد، يرمي لتحريف الحقائق وتوجيه الرأي العام.
وجاء في المقال أن "المحتلّ يطارد الأنصار السابقين وأعضاء 'ب ي د'، الحزب الكردي الذي كان يسيطر سابقا على المنطقة، والمرتبط بـ'بي كا كا'، الحركة الثورية التي تعتبرها الدولة التركية إرهابية".
عن أي "محتلّ" يتحدّث المقال؟ البديهي أنه يقصد الجيش التركي والجيش السوري الحر، اللذين تمكنا، في إطار عملية "غصن الزيتون"، من تحرير مدينة عفرين وجزءا كبيرا من المنطقة من قبضة إرهابيي "ب ي د".
فما غاب عن المجلّة الفرنسية، أو بالأحرى ما تعمّدت تغييبه هو أن إرهابيي "ب ي د/ بي كا كا" استولوا، في 2012، على منطقة عفرين بقوة السلاح.
وإن كانت أنقرة صنفت بالفعل "بي كا كا" تنظيما إرهابيا، فكذلك فعلت كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، يصر كاتب المقال على أن "بي كا كا" "حركة ثورية" تدينها الدولة التركية فقط"، في تناقض صارخ كشف الهوة السحيقة من اللاموضوعية التي يغرق فيها المقال.
إسقاطات غريبة تجاوزت التحيّز إلى المغالطة وتعمّدت تسميم الرأي العام الدولي بمعلومات لا تمت للواقع بصلة.

** شبح إسرائيل

وعموما، لا تعتبر هذه المقالات المختنقة ضمن رؤى شخصية أو حسابات سياسية ضيقة، السقطة الإعلامية الأولى للمجلة الفرنسية.

ففي عددها الصادر في 17 مايو/ أيار الجاري، أي قبل 3 أيام من بدء المجزرة الإسرائيلية في غزة، بدا من اللافت أن لا تشير المجلة في غلافها إلى هذه المذبحة التي هزت العالم من أقصاه إلى أدناه، وحركت جميع وسائل الإعلام باستثناء الصهيونية منها أو الموالية بشكل أعمى لإسرائيل.

وعوضا عن ذلك، خصص الغلاف لمسح اجتماعي، مع 3 عناوين أخرى لم تشر حتى -ضمنيا- لحمام الدم المتدفق في غزة.

مجزرة يبدو أنها لم ترتقي لـ"المستوى المطلوب" من قبل المجلة الفرنسية لتعتلي غلافها، لتنتظر قليلا قبل أن تهاجم أردوغان المدافع الشرس عن القضية الفلسطينية، والرئيس الذي يجسر على أن يطلب من سفير إسرائيل ببلاده مغادرة الأراضي التركية، متجاوزا التنديد والاستنكار إلى القرارات الملموسة.

وبدا من الواضح أن المجلة انتظرت قليلا قبل "تصفية حسابها" مع أردوغان الذي دعا إلى عقد قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي، على خلفية مجزرة غزة، أراد المرور من القول إلى الفعل، واصفا الدولة العبرية بـ"الإرهابية".

موقف يبدو أنه لا يروق لـ"جيسبرت"، ذو الأصول اليهودية (من جهة والده)، وإلا فما الذي يفسّر كل هذا التحامل اللاموضوعي ضد أردوغان؟

أو ربما لا يمكن للسياق الدولي العام أن يقول بشكل سافر ما عجز أن يقوله جيسبرت علنا، وهو أن موقف أردوغان من إسرائيل يثير جنونه؟

وسبق في افتتاحية المجلة بعددها الصادر في 16 ديسمبر/ كانون أول 2017، أن ادّعى الأمريكي جيسبرت (حامل أيضا للجنسية الفرنسية) أن "إسرائيل أرض يهودية، والقدس عاصمتها التاريخية"، مرحّبا بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حينها، نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وحظي المقال وما تضمنه من سلسلة تصريحات بإشادة كبيرة من الصحافة العبرية، ما يسلط الضوء، وإن بشكل ضمني، على دوافع الهجوم الذي تقوده المجلة ضد أردوغان.

وعموما، فإن دفاع جيسبرت عن إسرائيل أمر لا يخفيه، بل لطالما نضحت به تصريحاته الإعلامية، حيث انتفض عقب الجدل الذي فجره إعلان ترامب في ديسمبر/ كانون أول الماضي، نقل سفارة بلاده إلى القدس، ليعيد ما قاله في افتتاحيته، زاعما أن "فلسطين لم تكن أبدا أرضا عربية. إسرائيل أرض يهودية".


الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın