الدول العربية, أخبار تحليلية

لماذا تعثرت تجربة الإسلاميين في الوصول للحكم أو البقاء فيه؟ (تحليل / الحلقة الثالثة)

أخطر الضربات التي تلقتها الحركات الإسلامية كانت من الداخل، وتسببت الانقسامات بين مختلف التيارات الإسلامية في تحالفها مع أنظمة ضد بعضها، بل وانقسم الحزب الواحد على نفسه وانشطر إلى عدة أحزاب صغيرة وضعيفة.

14.09.2021 - محدث : 14.09.2021
لماذا تعثرت تجربة الإسلاميين في الوصول للحكم أو البقاء فيه؟ (تحليل / الحلقة الثالثة)

Istanbul

إسطنبول/ الأناضول

- المحاصصة الطائفية جعلت الحركات الإسلامية محصورة ضمن مربعها السني
- القبلية معادلة أتقنتها الأنظمة أكثر من الحركات الإسلامية
- بعض الأنظمة الملكية اعتبرت الحركات الإسلامية تهديد وجودي فيما حاولت أخرى احتواءها ضمن ملكية شبه دستورية
- الاقتصاد يمثل العنوان الأبرز الذي لم يتمكن الإسلاميون من تحقيق قفزة نوعية فيه مثل التجربة التركية
- رغم تحالف الإسلاميين مع أنظمة وأحزاب علمانية إلا أن ذلك لم يوقف المؤامرات ضدهم
- سلطة المال كشفت أنها عابرة للإيديولوجيات والقبلية والطائفية والأعراق، "فالجائع لا يفكر سوى في الخبز"
 

في الحلقة السابقة أوضحنا كيف راحت الحركات الإسلامية المعتدلة ضحية الجماعات الإرهابية، التي اغتالت قياديين فيها، واستغلت بعض الدول الغربية والأنظمة العربية تلك الجماعات المتطرفة لتشويه الإسلاميين بجميع أطيافهم دون تمييز، ما أجج الإسلاموفوبيا في العالم وأوروبا بالخصوص.

كما تحدثنا عن تزوير الانتخابات وعزوف الناخبين عن التصويت والذي كانت الحركات الإسلامية أكثر المتضررين منه.

لكن أخطر الضربات التي تلقتها الحركات الإسلامية كانت من الداخل، وتسببت الانقسامات بين مختلف التيارات الإسلامية في تحالفها مع أنظمة ضد بعضها، بل وانقسم الحزب الواحد على نفسه وانشطر إلى عدة أحزاب صغيرة وضعيفة.

وفي هذه الحلقة الثالثة والأخيرة، نتناول أسباب أخرى، أدت إلى تعثر تجربة الإسلاميين في الحكم طيلة نحو قرن، رغم التنازلات الكثيرة التي قدموها لخصومهم السياسيين.

12/ الطائفية

التركيبة الطائفية لعدة دول عربية مثل لبنان والعراق واليمن، التي تنتشر فيها أحزاب شيعية مدعومة من إيران، جعل الأحزاب الإسلامية السنية خاضعة لمنطق المحاصصة، التي لم تخدمها.

فالحزب الإسلامي في العراق بزعامة طارق الهاشمي، وإن تمكن في فترة ما من الوصول إلى الحكم ضمن المحاصصة الطائفية والعرقية التي وضعها الأمريكيون، بالشراكة مع الأحزاب الشيعية والكردية، بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، إلا أنه وقع ضحية تعقيدات التجاذبات داخل الطائفة السنية التي كان يتزعمها.

فموقف الحزب الإسلامي العراقي من مقاومة الاحتلال الأمريكي كلفته غاليا على الصعيد السياسي، كما تم استهداف قياداته من تنظيمات متشددة، شكلت فيما بعد تنظيم "داعش" الإرهابي.

ولم يتمكن الحزب من التمدد بين الأكراد في الشمال ولا بين الشيعة في الجنوب، فسقط في الانتخابات، كما أن تعاطفه مع الإخوان المسلمين في مصر في 2013، جعله مستهدفا من الإمارات والسعودية ما أفقده قيادة الطائفة السنية.

ولا يختلف الأمر كذلك بالنسبة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي وجد نفسه في مواجهة أكثر من طرف، بدءا من نظام علي عبد الله صالح، وجماعة الحوثيين الشيعية، ثم الإمارات، رغم أنه ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وأخيرا المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصاليو الجنوب).

أما في لبنان فتزعُم "تيار المستقبل" للطائفة السنية بدعم من السعودية، لم يتح "للجماعة الإسلامية" المحسوبة على الإخوان المسلمين، مجالا للصعود، وخسرت في انتخابات 2018 نائبها الوحيد طيلة 9 سنوات، ناهيك عن تعرضها لحملات تشويه من التيار القومي الناصري المتنفذ في لبنان.

​​​​​​​13/ القبلية

تجد الأحزاب الإسلامية صعوبة في الدول العربية ذات الطابع القبلي، إذ يعرف عن هذه الأحزاب أنها ذات نخب مثقفة وتركز على الطبقة المتوسطة، في حين أن الأحزاب المحسوبة على السلطة فتجيد اللعب على العامل القبلي.

وليبيا مثال جيد، ففي عهد معمر القذافي (1969-2011) تمكن من تثبيت حكمه بفضل تقريبه لشيوخ القبائل وإغرائهم بالأموال والمناصب، وكذلك فعل حفتر في انقلابه على السلطة في طرابلس من خلال اعتماده على شيوخ القبائل في إقليم برقة (شرق) وحتى في الغرب الليبي لتجنيد المزيد من أبناء القبائل.

والتعصب القبلي يجعل من الصعب على الأحزاب الإسلامية التمدد في مناطق يقودها الشيوخ والأعيان، الذين عادة ما يكونون موالين لسلطة الأمر الواقع، إمام بسبب الترغيب أو الترهيب.

وليست اليمن ولا موريتانيا أو الصومال في حِلٍ من التصويت على أساس قبلي، بل إن معظم الدول العربية تعاني من هذه الظاهرة ولو بشكل متفاوت، وكلما زادت نسبة التمدن (السكان القاطنين في المدن)، تراجعت العصبية القبلية، والعكس صحيح.

14/ الملكية

تنظر العديد من الأنظمة الملكية إلى الحركات الإسلامية كخطر وجودي بالنسبة لها، كما هو الحال في الإمارات والسعودية، لكن هناك أنظمة عربية ملكية شبه دستورية على غرار الأردن والمغرب.

وتمكن حزب العدالة والتنمية المغربي من الفوز بالمرتبة الأولى وقيادة الائتلاف الحاكم منذ 2011، بعد التعديلات الدستورية، التي جاءت تحت ضغط مظاهرات حركة 20 فبراير.

ومع ذلك لا يملك الحزب كامل السلطة في إدارة الدولة، خاصة ما تعلق بالشؤون الخارجية والدفاع، التي مازالت من اختصاصات الملك.

واضطر الحزب إلى دعم ملفات جدلية ليست من ثوابته ولا من أبجديات خطابه، على غرار: التطبيع مع إسرائيل، وتقنين المخدرات "لأغراض طبية"، وفرنسة التعليم.

وهذه القرارات تجعل حزب العدالة والتنمية المغربي يحترق بنار الحكومة، دون أن تكون له مساحة واسعة لتطبيق أجندته السياسية، في ظل ملعب ملكي مغلق، وتحالفات سياسية صعبة، قد يكلفه ذلك تراجعه شعبيته مستقبلا.

15/ الاقتصاد

وهو العنوان الأبرز لنجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا، والمعادلة الصعبة التي واجهتها عدة أحزاب إسلامية وصلت إلى السلطة أو إلى رئاسة الحكومة أو حتى البرلمان.

ورغم بعض الإنجازات التي حققتها أحزاب إسلامية سواء في الرئاسة مثل السودان ومصر، أو الحكومة مثل المغرب، إلا أن ذلك لم يكن بحجم تطلعات الشعوب.

فالسودان تعرض لحصار دولي خانق، والإخوان في مصر لم يتح لهم وقت لإثبات جدارتهم، وأطيح بهم خلال عام واحد من حكمهم، وحزب العدالة والتنمية في المغرب محاصر بين سلطة الملك وأحزاب علمانية تشاركه تسيير الحكومة.

16/ التحالفات

الحركات الإسلامية في الدول العربية ليست سوى مكون من عدة تيارات وأحزاب سواء في السلطة أو في المعارضة، بل وحتى في المجتمع المدني والدولة العميقة.

وأدركت بعض الحركات الإسلامية أهمية التحالفات الحزبية، بل حتى مع السلطة القائمة، وكانت حركة مجتمع السلم الجزائرية من أولى الأحزاب الإسلامية التي تبنت "ثقافة المشاركة" من خلال التحالف مع أحزاب السلطة والأحزاب العلمانية من أجل إنقاذ الدولة (1997)، وأيضا من أجل تدريب كوادرها على التسيير.

وتلى ذلك عدة تجارب في العراق (2003) وفي المغرب وتونس (2011)، لكن فكرة التحالف مع أحزاب علمانية، كانت إلى وقت قريب غير مقبولة شعبيا، ولم يستسغها مثقفون ومفكرون إسلاميون، وكان من نتائجها تراجع شعبية الأحزاب التي "شاركت في الحكومة ولم تشارك في الحكم"، بل فيها من كاد يندثر من الساحة السياسية مثل حركة النهضة الجزائرية.

فبعض الأنظمة العربية تريد من الحركات الإسلامية أن تشاركها في الحكومة كديكور تعرضه على المجتمع الدولي ليعكس انفتاحها على الآخر، وفي نفس الوقت تحملها مسؤولية أي فشل في إدارة البلاد، ثم تلفظها من الحكومة عندما تستهلكها شعبيا، مثل حبة ليمون تم عصرها إلى آخر نقطة.

17/ المال

إحدى الأسلحة التي استخدمها خصوم الإسلاميين ضدهم تتمثل في سلطة المال، وإحدى تجليات تأثير المال على السياسة هزيمة الملياردير المغربي عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، لحزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة خلال العقد الأخير.

كما أن رجل الأعمال وقطب الإعلام التونسي نبيل القروي، (مؤسس حزب قلب تونس) تمكن هو الآخر من هزيمة مرشح حركة النهضة لرئاسيات 2019 (عبد الفتاح مورو) والصعود إلى الدور الثاني، قبل أن ينهزم أمام قيس سعيد، لكنه حل ثانيا في الانتخابات البرلمانية خلف النهضة سابقا عدة أحزاب عريقة.

وكل من أخنوش والقروي، استخدم نفس الأسلوب، سلاح المال، من خلال توزيع المساعدات على الفقراء، الذين لا يفرقون بين إسلامي وليبرالي ويساري إلا من خلال ما يقدمه لهم من طعام ولباس وعلاج وتعليم، "فالجائع لا يفكر إلا بالخبز".

فكثير من المرات تغلب سلاح المال على سلطة القبيلة والطائفة والإيديولوجيا، لذلك استعانت عدة أنظمة برجال أعمال ورشحتهم في قوائمها البرلمانية بل ضمتهم إلى مكتبها السياسي، على غرار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر زمن حسني مبارك، وجبهة التحرير الوطني (الحاكم) بالجزائر في المرحلة الأخيرة من حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.

واستخدام سلاح المال في السياسة عادة ما يجر معه الفساد، ولأن الإسلاميين لا يعرف عنهم أنهم مدعومون من مليارديرات بارزين في بلدانهم، فإن المنافسة عادة لا تكون عادلة.

** قوانين انتخابية على المقاس

التلاعب بقوانين الانتخابات بالشكل الذي يخدم الأحزاب الحاكمة أو يحد من تقدم الأحزاب الإسلامية إحدى المعارك التي حاولت بعض الأنظمة العربية التحكم عبرها في نتائج الانتخابات.

إذ سبق للمجلس العسكري في مصر أن أصدر في 2012 قانون الانتخابات الرئاسية، رغم انتخاب برلمان جديد في نفس السنة، وهو ما لاقى انتقادات عديدة خاصة من حزب الحرية والعدالة الحاكم، لكن ذلك لم يمنع من فوز مرسي بالرئاسة في الدور الثاني.

وفي المغرب تمكنت أحزاب الائتلاف الحكومي من تعديل قانون الانتخابات في مارس/آذار الماضي، رغم معارضة "العدالة والتنمية" قائد هذا الائتلاف، حيث تم احتساب القاسم الانتخابي على أساس الناخبين المسجلين بدل المقترعين.

وكان هذا التعديل أحد الأسباب التي أدت إلى السقوط الحر لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات من 125 نائب فإلى 13 نائبا فقط.

وهذه الأسباب مجتمعة بالإضافة إلى نقاط أخرى أقل أهمية، كانت سببا في عدم وصول الإسلاميين إلى الحكم في أغلب الدول العربية، أو أسقطوا منه، أو حوصروا فيه.

والأكيد أن الإسلاميين لديهم أخطاؤهم، والتي تعلموا منها كثيرا، وقدموا تنازلات قاسية ومكلفة، لكن كل ذلك لم يكن كافيا للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، أمام حجم الهجمات التي تعرضوا لها من قوى نافذة داخليا وإقليميا وحتى دوليا.

//// انتهى

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın