الدول العربية, أخبار تحليلية, التقارير

في ذكرى 3 يوليو.. المعارضة المصرية و"السبع العجاف" (تحليل)

تبدو المعارضة متمسكة بخطابات الماضي وغير قادرة على قيادة تغيير أو الالتفاف حول مشروع وطني أو التعاطي مع متغيرات الواقع عبر تفاهمات

03.07.2020 - محدث : 03.07.2020
في ذكرى 3 يوليو.. المعارضة المصرية و"السبع العجاف" (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ الأناضول

- المعارضة تتهم النظام بـ"إغلاق كل الأبواب" عبر عمليات قتل وإخفاء قسري واعتقال حتى لسياسيين يرفضون التحالف مع الإخوان
- جماعة الإخوان تقول إنها أعادت ورقة الشرعية إلى الشعب عقب وفاة مرسي وبالتالي لا يوجد ما يمنع التحالف معها والاصطفاف لإزاحة النظام

مع مرور 7 سنوات على أحداث 3 يوليو/تموز 2013، تبدو المعارضة المصرية، وفق شواهد عديدة، "أسيرة الماضي" من دون قدرة ملموسة على قيادة تغيير أو الالتفاف حول مشروع وطني أو التعاطي مع متغيرات الواقع بتفاهمات أو تنازلات.

وعلى الأرجح بات وجود المعارضة المصرية، لاسيما في الخارج وفق تلك الشواهد، مرتبط بذكريات ما حدث قبل 7 سنوات وما تلاه، وعندما تحلّ هذه الذكريات يكون التوجه أقرب إلى تعبير "للخلف در"، بالتركيز على إعادة الحديث عما وقع في هذه الفترة وتداعياته، في إطار موقف المعارضة من النظام، وهو عادة "متهم" في أدبياتها.

وتدفع المعارضة، سواء في الداخل أو الخارج، بأنها في "غياب قسري"؛ بسبب قيود واسعة يفرضها النظام على الحركة والتعبير عن الرأي واعتقالات سياسية واسعة، متهمة النظام بأنه "أغلق كل الأبواب".

لكن، وبخلاف نفي السلطات المصرية لهذه الاتهامات، تقول الشواهد إن تلك الجبهات المعارضة لديها أزمات داخلية كبيرة، أبرزها متعلق بغياب الرؤية والوحدة والتمويل.

وبالرجوع لمشهد 3 يوليو، الذي أعلن فيه الجيش بقيادة وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، الإطاحة بالرئيس حينها محمد مرسي (2013:2012) وحتى يومنا هذا، نجد أنه ولدت أشكال عديدة للمعارضة من رحم جهتين رئيستين: إسلامية وعلمانية، وكلاهما أسرتهما أحداث الماضي بصورة أساسية، ولا تترك موضع قدم إلا وتنتقد النظام فيه.

أولا: معارضة الداخل

عقب بيان الإطاحة بمرسي، بعد عام واحد في الرئاسة، تصدرت معارضة الداخل جماعةُ الإخوان المحظورة حاليا في مصر، مع "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، وأغلب مكوناته من تيارات إسلامية.

ورفعت هذه المعارضة لافتة "عودة مرسي إلى الرئاسة"، بينما كان الأخير في مقر احتجاز غير معروف.

مرتكزة على احتجاجات مناهضة للإطاحة، في ميادين عديدة أبرزها "رابعة" و"النهضة" بالقاهرة، انطلقت خطابات للمعارضة بدا أنها "قابعة في الماضي"، ولا تميل إلى طرح تفاهمات مع أركان السلطة القائمة آنذاك أو القبول بجلوس معلن معها؛ لذا كان المشهد ولا يزال صفريا بامتياز، وفق الشواهد.

وعقب "فض" اعتصامي "رابعة" والنهضة"، في 14 أغسطس/آب 2013، وما شهده من سقوط ضحايا، بدأت المعارضة في مغادرة مصر بشكل متصاعد؛ خشية تعرضها للاعتقال.

وبقوة، أضافت المعارضة إلى خطابها بندا رئيسيا جديدا، وهو حقوق من قُتلوا ومحاسبة المسؤول عن قتلهم.

وبهذا، تفاقمت الأزمة من رئيس أُطيح به إلى دماء أُريقيت ومعارك كراهية تدور رحاها في وسائل إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي والشوارع بين السلطة القائمة آنذاك ومكونات التحالف.

وفي نوفمبر/ تشرين ثان 2013، طرح تحالف "مرسي" رؤية استراتيجية أصرت في تفاصيلها على "استدعاء الماضي" مع الدعوة إلى حوار لحل أزمة البلاد، التي لم تستطع جولات مكوكية إفريقية وأوروبية حلحلتها.

ومع ضربات النظام المتتالية لتحركات ذلك التحالف ومناصريه، بهدف معلن وهو "الحفاظ على استقرار مصر والالتزام بالقانون والقضاء على الإخوان"، تضاءلت احتجاجات نوعية كانت تؤمن بتأثيرات حشود الماضي وتظن باستمراريتها.

وبالتزامن ظهر التيار العلماني بتنوعاته، الذي انقسم مع وضد مشهد "3 يوليو"، بشكل لافت في المشهد السياسي، لاسيما في صيف 2014.

وكان التياران اليساري والليبرالي أبرز من قاد مشهد ظهور المعارضة من داخل النظام القائم، لاسيما مع انتخابات الرئاسة، بقبول اليساري البارز، حمدين صباحي، خوض السباق أمام السيسي في 2014، وحينها فاز الأخير بالحكم، وما يزال يحكم.

ومعلوم تاريخيا أن هذين التيارين لا يزال لدى فريق كبير منهما إيمان بعوائق الماضي وخلافهما الجذري مع تيار الإخوان.

وهذا واضح في استدعاء بعض أنصار وحلفاء جماعة الإخوان (معظم قياداتها خارج مصر) موقف تأييد شخصيات في هذين التيارين للإطاحة بمرسي أو المساعدة في ذلك، واعتبار مشاركتهم في سباق الرئاسة قبول بـ"لعبة" لتمرير وصول السيسي إلى سدة الحكم، وسط انتقادات متبادلة بين الفريقين.

ولم يغب الماضي عن بيانات عديدة صدرت آنذاك من التيارين اليساري والليبرالي تؤكد أهمية إيجاد منفذ للحركة والتعبير عن غياب الديمقراطية، فضلا عن بعث المعارضة الوطنية من الداخل، وتوحيد صفوفها.

وإجمالا فإن معارضة الداخل، بفريقيها الإسلامي والعلماني، تشبثت بصراعات الماضي، ولم تتجاوزها نحو مشروع جامع للتغيير يوحد صفوفها، فالفريق الأول (إسلامي) خسر الواقع تدريجيا، مع استمرار النظام في ترسيخ "شرعيته" محليا ودوليا، وفي ظل ضربات من السلطة لا تتوقف للمعارضة.

فيما بقيت معارضة الداخل بنسختها اليسارية- الليبرالية قيد الحياة، تقبل بهامش التواجد في برلمان 2015، وتتحرك بثوابت عديدة في الداخل، غير أن أزمة الماضي، المتمثلة في قلة عدد الأنصار، باتت حاضرة بشكل أساسي وتطارد خططها، مما دفعها إلى البقاء بصورة كبيرة داخل أروقة الأحزاب والبرلمان.

ورغم تحركها في ملفات وطنية عديدة، مثل معارضتها لمنح جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، إلا أن معارضة الداخل تأثرت سلبا ببروز حركات مسلحة نفذت عمليات إرهابية في مصر، حيث تضاءلت المساحات المتاحة لإعلان معارضة قوية، تحت وطأة المواجهات الأمنية.

وتحت سقف منخفض، فرضه النظام، يمكن القول باستمرار مساحات استدعاء الماضي وتبادل الاتهامات بين معارضة من داخل المشهد السياسي وخارجه، إلى حين حدوث متغير في خطط الفريقين (الإسلامي والعلماني)، وهذا غير وارد حاليا، رغم ما أوجدته قيود النظام من تقارب نسبي ومرحلي بينهما.

ثانيا: معارضة الخارج

أما معارضة الخارج، التي تسربت خارج مصر، لاسيما قبيل أحداث 2013 وما بعدها، فاستطاعت إنشاء منصات إعلامية ومراكز بحثية وائتلافات حقوقية في دول عديدة، غير أن كثيرا من المتابعين للشأن المصري يعتبر ون أغلبها صار مجرد "ظاهرة صوتية" للفت انتباه الجماهير والمنظمات الدولية نحو أزمات النظام، من دون النجاح بإحداث تغيير أومساءلة في الداخل.

ووفق الشواهد، فإن معارضة الخارج، التي يغلب عليها تواجد إخواني وتنوعات يسارية وليبرالية ومستقلة، لم تحسم مواقفها من ملفات عديدة، وبينها ما أطلقت عليه المعارضة في الماضي "الموجة الثورية"، وهي فعاليات متعددة، بينها احتجاجات، ولم تكن يوما مفصلية في تغيير المشهد، وأدت في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع صوت من الداخل، بأن معارضة الداخل وحدها من تدفع ضريبة تلك الموجات توقيفا ومطاردة من السلطة.

ومن أبرز شواهد الماضي هو تمسك معارضة الخارج، لاسيما جماعة الإخوان، بورقة "شرعية مرسي"، في إطار مبادئ مرتبطة بالديمقراطية، حتى سقطت بوفاته، في مقر محاكمته عام 2019، فعادت الجماعة لتتحدث عن عودة الشرعية إلى الشعب، بهدف البحث عن "وحدة" مطلوبة في هذه المرحلة.

حدث هذا التطور في اتجاه، بحسب الشواهد، يكتفي بالبقاء في مربع الماضي، رغم تفاقم أعبائه على المناصرين في الخارج، مع ظروف معيشية باتت صعبة، في ظل أزمات تمويل غير خافية.

لكن وفق تلك الشواهد، لا تريد معارضة الخارج أن تقتنع بأن ثمة ماضٍ حدث وتجاوزه الواقع المحلي والدولي على الأقل لصالح قضايا وطنية، وليس صراعات.

وحتى في فعاليات إحياء الذكرى السابعة للإطاحة بمرسي خارج مصر، تصدرت أحداث الماضي المشهد، وانتقدت معارضة الخارج النظام في ملف سد "النهضة" الإثيوبي، وكأنه قضية صراع مع سلطة.

فقضية السد هي ملف قومي بالدرجة الأولى، كان يستلزم مثلا أن تعلن المعارضة عن فعاليات في مناطق تواجدها لإظهار معدنها الوطني، بالضغط على أديس أبابا للتوصل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم بشأن السد، الذي تخشى مصر أن يؤثر سلبا على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل.

وكان يمكن لأزمتي سد "النهضة" وتداعيات فيروس "كورونا"، وهما أزمتا الواقع لا الماضي، أن تكونا مدخلا لخفض، ولو مؤقت، للتوترات بين السلطة ومعارضة الخارج، غير أنه لم يتم تمييز الخلاف من الجانبين، فبقيت القضية صراع وهجوم متبادل بين طرفين، كل منهما مصرّ على أن الآخر يريد القضاء عليه، في ما يشبه "حلقة مفرغة".

وتشير الشواهد أيضا إلى مظاهر انقسام تسربت إلى مكونات معارضة الخارج، مع معارك إعلامية بين بعض الرموز، فيما تطرح جماعة الإخوان نداءات متكررة بالوحدة.

إلا أن الجماعة حتى الآن لم تستطع تفكيك آثار الماضي مع معارضة الداخل أو لم شمل مكوناتها الداخلية، مع ظهور تيار إخواني مناؤي للقيادات الحالية، أو الخروج بتصورات سياسية فعالة أو بناء مؤسسات مستقرة مؤثرة، أو تقديم مراجعات فكرية وتاريخية شاملة وجذرية تنتج شكلا جديدا مختلفا في التفكير والتعاطي مع المشهد.

ويبدو أن المعارضة، لاسيما في الخارج، ستظل تتحدث عن تضحياتها الكبيرة في منفاها أو في الداخل المصري، وهذه روح تستند إلى وجود جماعة بحجم الإخوان، عاشت أغلب تاريخها في المحن، واستطاعت لعقود التعايش معها وإبراز ما تعتبره "تضحيات ضخمة".

لذا يمكن القول إن معارضة الخارج ستبقى في هذا المشهد المعقد بين قيود مفروضة من النظام ورفض مستمر منه لعودة جماعة الإخوان، وفعاليات تستحضر أحداث الماضي، وترى في تكرار الحديث عنها سببا لبقائها بين أنصارها، مع سعيها إلى التركيز على تضحيات تعتبرها غير مسبوقة، على أمل إحراز انتصارات على حساب أزمات نظام يبدو قويا حتى الآن.‎‎

وفي هذه الفترة، وبحسب تلك الشواهد، لن تقدم معارضة الخارج بديلا سياسيا، لتستمر في ما هو أشبه بأداء وظيفي روتيني يميل إلى الاستقرار وتعزيز الوجود في "منفى قسري"، من دون إعادة هيكلة داخلية، انتظارا لمفاجأة قدرية.

** نظام "أغلق كل الأبواب"

وترى المعارضة المصرية، من خلال تحليل بياناتها ومتابعة تصريحات رموزها، أن الأزمة الكبرى ليست فيها، بل في النظام، الذي "أغلق كل الأبواب"، وجعل المعركة صفرية بامتياز، وفق المعارضة.

بيانات وتصريحات متكررة تتحدث عن "آلاف الموقوفين، ودولة بوليسية تخطت كل الخطوط الحمراء، وعمليات إخفاء قسري لمئات، وقتل بطئ عبر إهمال طبي طال حتى مرسي ذاته وعشرات من أنصاره في السجون، فضلا عن مواجهات أدت إلى مقتل أعداد كبيرة في تظاهرات، لاسيما خلال اعتصامي رابعة والنهضة".

ويقولون إن محاولة المعارضة للتحرك من داخل مصر لم تلق قبولا أيضا من النظام، حتى أنه تم توقيف سياسيين رافضين لجماعة الإخوان والتحالف معها، أثناء إعداد تيار سياسي بعنوان "الأمل"، لخوض انتخابات برلمانية تبدأ هذا العام.

ويقدرون أن جهودهم ستكون مثمرة وناجحة في حال توفير مساحة بسيطة للتعبير عن الرأي في مصر، على نحو ما حدث في عهد الرئيس الراحل، محمد حسني مبارك (1981: 2011)، غير أنهم يرون أن ذلك بات مستحيلا، في ظل رفض السلطة أي صورة، ولو بسيطة، لتكوين تيار معارض.

ويقولون إن رموزا كبيرة، مثل الفريق العسكري المتقاعد، سامي عنان، ومن قبله السياسي عبد المنعم أبو الفتوح، والقاضي هشام جنينه، كان مصيرهم السجن، عندما خرجوا عن خطوط وضعها النظام، فهو يريد أن يبقى وحيدا مسيطرا.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın