الدول العربية, أخبار تحليلية

توجه عربي لدمج الأسد في التسوية.. فأين تقف السعودية؟ (تحليل)

ستسعى الرياض إلى التأكد من امتلاك الرئيس السوري الرغبة في العودة إلى البيئة العربية، والابتعاد عن دائرة النفوذ الإيراني، قبل إعادة فتح سفارتها بدمشق.

04.01.2019 - محدث : 04.01.2019
توجه عربي لدمج الأسد في التسوية.. فأين تقف السعودية؟ (تحليل)

Istanbul

إسطنبول / إحسان الفقيه / الأناضول

في ما يشبه الانفتاح العربي على سوريا، شهدت الساحة العربية عددا من الخطوات "غير المتوقعة" بذرائع شتى، لإعادة العلاقات بين عدد من الدول العربية والحكومة السورية.

بداية من المهم الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن يعكس الموقف الرسمي العربي واقع الحراك السياسي الهادف إلى عودة العلاقات مع سوريا عبر زيارات لمسؤولين سوريين، أو إعادة فتح سفارات عدد من الدول العربية، أو زيارات لمسؤولين عرب إلى دمشق، مثل زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق في 16 ديسمبر / كانون الأول الماضي، وهي أول زيارة لرئيس عربي منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011.

وأثارت المعالجة الأمنية التي انتهجها النظام السوري بعد اندلاع الثورة شتاء 2011، وسقوط المئات من المحتجين، ردود فعل استدعت تبني مواقف عربية ودولية مناهضة لسياسات النظام السوري.

كانت المملكة العربية السعودية من بين أوائل الدول التي اتخذت إجراءات عقابية ضد النظام السوري، ردا على قمع قوات النظام للمحتجين واستخدام القوة العسكرية ضدهم.

ومنذ بدايات الثورة السورية، تبنى العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز موقفا مناهضا للنظام السوري، داعيا بشكل علني إلى دعم وتسليح المعارضة السورية بهدف إسقاط النظام.

راهنت الدول العربية على إمكانية إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد الثورة السورية، وقدمت لفصائل المعارضة المسلحة مختلف أنواع الدعم العسكري والمالي والسياسي، إلا أن عوامل عدة، منها التدخل الروسي صيف عام 2015 إلى جانب قوات النظام، والدعم الإيراني المتعدد الجوانب، حالت دون إسقاط النظام، وأدت إلى استعادته السيطرة على الأراضي التي خرجت عن سيطرته منذ عام 2012 بشكل تدريجي، ضمن استراتيجية استعادة كامل الأراضي السورية قبل إنجاز التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.

ومع إدراك القادة العرب عدم إمكانية إسقاط النظام السوري بالحل العسكري، بدأ يتنامى اتجاه يرى أن إسقاطه يمكن أن يتحقق خلال الفترة الانتقالية التي ستؤسس لكتابة دستور من ممثلي النظام والمعارضة والمستقلين، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

وهناك مقاربة عربية أو خليجية حالية تتمحور حول أن أي انضمام عربي، بما في ذلك سوريا، إلى الجهد العربي المشترك سيؤدي حتما إلى الحد من النفوذ الإيراني والتهديدات المفترضة على دول المنطقة، الخليجية تحديدا، إلا أن السعودية لا تزال رسميا خارج نطاق الدول التي أعادت أو تنوي إعادة علاقاتها مع سوريا.

تربط دول عدة، منها الكويت، بين تبني جامعة الدول العربية إنهاء تعليق عضوية سوريا، وتبني النظام السوري بشكل جدي مفاوضات الحل السياسي وصولا إلى المرحلة الانتقالية، وعلى الرغم من أن موقفا سعوديا لم يتم إعلانه رسميا بهذا الشأن، إلا أن الأرجح أنها تتبنى موقفا مماثلا للكويت، ويذهب أبعد من ذلك قليلا بربط تعهداتها بإعادة الإعمار مع انتهاء المرحلة الانتقالية.

ينظر مراقبون إلى أن إعادة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق جاءت بالتنسيق أو بالتشاور مع السعودية، نظرا لطبيعة علاقات البلدين وموقفهما من التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يعتقد أن الاستراتيجية الخليجية الجديدة تشدد على أن إعادة العلاقات مع سوريا يمكن أن تحولها بعيدا عن دائرة النفوذ الإيراني، بعد فشل الرهان على المعارضة المسلحة في إسقاط النظام.

وبالتوازي مع الموقف الرسمي السعودي، يعتقد على نطاق واسع أن فتح سفارة الإمارات في دمشق سيكون بمثابة قناة خلفية للدبلوماسية السعودية في سوريا، حتى من دون أن تعيد علاقاتها مع سوريا، أو تعيد فتح سفارتها في دمشق.

وفي أكتوبر / تشرين الأول 2018، تحدث الرئيس السوري إلى إحدى الصحف الكويتية عن توصل بلاده إلى "تفاهمات" مع عدد من الدول العربية بعد سنوات من القطيعة والعداء.

ويعتقد مسؤولون خليجيون، مثل وزير خارجية البحرين، أنه ليس من الصواب أن يتم التعامل مع الشأن السوري من قبل لاعبين إقليميين ودوليين في ظل الغياب العربي.

وفي ذات السياق، أيد البرلمان العربي في ديسمبر / كانون الأول 2018 عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وإعادة فتح السفارات العربية في دمشق.

دفعت الحرب الأهلية السورية إلى تدخل أطراف إقليمية ودولية متنافسة خاضت حروبها على الأراضي السورية طوال سنوات، دون نجاح أي طرف بحسم الصراع لمصلحته، في حين بدت الحرب الأهلية في مراحلها النهائية مع وقائع ميدانية تؤكد نجاح قوات النظام عسكريا في استعادة المزيد من الأراضي التي سبق أن خسرتها لمصلحة فصائل المعارضة المسلحة، أو الجماعات الإسلامية المتشددة.

لذلك يبدو للكثير من الدول التي سبق أن تبنت مواقف معادية للنظام السوري، أنه حان الأوان أن تعيد مواقفها في ضوء إفرازات الواقع الميداني الجديد، والتكيف معه في مراحل تالية.

سيكون على الكثير من الدول العربية المترددة في إعادة علاقاتها مع سوريا انتظار انعقاد القمة العربية التي ستستضيفها تونس في مارس / آذار المقبل، والتي من المرجح أن تخرج بقرار توافقي لإعادة سوريا ثانية إلى جامعة الدول العربية، وربما كان الرئيس السوري ضمن المدعوين لحضورها في حال صحت التقارير الإعلامية التي تتحدث عن احتمالات تبني جامعة الدول العربية قرارا بعودة سوريا قبل موعد انعقاد القمة.

على صعيد ذي صلة، قد يكون قرار الرئيس الأمريكي في 19 ديسمبر / كانون الأول 2018 سحب قوات بلاده من سوريا، وفشل الرهان على المعارضة المسلحة في إسقاط النظام السوري، من بين أهم العوامل التي دفعت أو ستدفع دولا عربية أو خليجية إلى إعادة علاقاتها المقطوعة منذ سنوات مع سوريا، طالما أن الانسحاب الأمريكي سيؤدي فعلا إلى إضعاف قدرات القوى المعارضة للنظام السوري في مواجهته.

ليس من المؤكد صحة التقارير التي نشرتها وسائل إعلام قريبة من النظام السوري، عن إبلاغ المملكة العربية السعودية الدول العربية الأخرى بأنها لا ترى أي عوائق أمام إعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، كما أن أي مسؤول سعودي لم ينف صحة هذه التقارير التي قالت إنها "نقلا عن دبلوماسي" دون تحديد هويته.

ووفقا لتقارير إعلامية، فإن الولايات المتحدة مارست ضغوطا حالت دون زيارة مسؤولين مصريين بالتنسيق مع السعودية للعاصمة السورية، تماشيا مع جهود البلدين لاستعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية، ونتيجة لذلك زار الرئيس السوداني دمشق في 16 ديسمبر / كانون الأول 2018 لذات المهمة.

لذلك يمكن الأخذ بالحسبان أن "إعادة" العلاقات السعودية مع دمشق تتعارض مع الموقف الأمريكي الذي يتجه نحو تسليم ملف إعادة الإعمار إلى السعودية، وهو جزء من سياسة متعددة الأبعاد تتضمن استبدال القوات الأمريكية المقرر انسحابها بقوات عربية في مناطق شرق وشمال شرقي سوريا، يمكن أن تضم مصر والأردن ودولا أخرى بالإضافة إلى السعودية.

ثمة إجماع يمكن استخلاصه من تصريحات لمسؤولين عرب في دول عدة، أن أي عودة لعلاقات طبيعية مع سوريا لا بد أن تقترن زمنيا بإنهاء الصراع المسلح، والذهاب إلى الحل السياسي الذي يكفل تحقيق إرادة الشعب السوري وتطلعاته، قبل عودة سوريا إلى عضويتها الكاملة في الجامعة العربية والمنظمات التابعة لها، أو التمثيل الدبلوماسي المتبادل.

كما أن ملف إعادة الإعمار يرتبط، وفق رؤية الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة والسعودية أيضا، بأن أي مبالغ مالية يتم تقديمها لإعادة الإعمار ستكون مرهونة بالتوصل إلى حل سياسي يضمن إيجاد بديل عن النظام القائم من خلال مفاوضات التسوية النهائية وفق جنيف واحد، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

وتجمع الدول العربية على وحدة الأراضي السورية وسيادة سوريا واستقلالها، وضرورة إنهاء الحرب الأهلية وفق مخرجات مؤتمر جنيف الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، وتتبناه السعودية والأردن ومصر، بالإضافة إلى المانيا وفرنسا وبريطانيا برعاية الولايات المتحدة، ضمن ما يعرف باسم مجموعة الدول السبع، أو "المجموعة المصغرة".

والى جانب التزام السعودية بالعمل ضمن "المجموعة المصغرة"، فإن السعودية التي لم تعترض على شركاء لها أعادوا فتح سفاراتهم بدمشق، سيكون عليها أولا التأكد ـ عبر ما ينقله لها هؤلاء الشركاء ـ من امتلاك الرئيس السوري الرغبة في العودة إلى البيئة العربية والابتعاد عن دائرة النفوذ الإيراني، قبل إعادة فتح سفارتها بدمشق.

كما أن السعودية أغلقت سفارتها بدمشق بعد قرار صدر عن جامعة الدول العربية في نوفمبر / تشرين الثاني 2011، وقد لا تعيد فتحها قبل صدور قرار جديد من الجامعة بإعادة عضوية سوريا، وهو ما يعتقد أنه بات وشيكا.

في كل الأحوال، ليس ثمة ما يشير إلى أن السعودية يمكن أن تتماشى مع قرار الإمارات في 27 ديسمبر / كانون الأول 2018، وإعادة البحرين علاقاتها مع سوريا، وفتح سفارتي بلديهما في دمشق في المدى المنظور، قبل إعادة رسم المشهد السوري وفق مخرجات مفاوضات جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın