الدول العربية, أخبار تحليلية

انفجار بيروت.. دبلوماسية تركية واستعلاء فرنسي (خبراء)

عقب انفجار مرفأ العاصمة بيروت، شهد لبنان حملة تضامن واسعة من قبل العديد من دول العالم التي أرسلت مساعدات طبية فورية، لا سيما تركيا التي كانت سباقة في الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني ومدت يد العون له ولشعبه.

11.08.2020 - محدث : 11.08.2020
انفجار بيروت.. دبلوماسية تركية واستعلاء فرنسي (خبراء)

Istanbul

بيروت/ يوسف حسين/ الأناضول

نائب لبناني سابق:التركيز الفرنسي في زيارة ماكرون للبنان كان على دور سياسي مرتبط بتاريخ استعماري.
محلل سياسي: ماكرون تعاطى مع الطبقة السياسية اللبنانية باستعلاء وكأنه المندوب السامي أيام الانتداب الفرنسي.
خبير سياسي: ماكرون جاء بخطابين متناقضين، الأول يقول إنه مع الثورة، والثاني يطلب فيه تشكيل حكومة وحدة.

عقب انفجار مرفأ العاصمة بيروت، شهد لبنان حملة تضامن واسعة من قبل العديد من دول العالم التي أرسلت مساعدات طبية فورية، لا سيما تركيا التي كانت سباقة في الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني ومدت يد العون له ولشعبه.

لم تكتف تركيا بإرسال المساعدات وطواقم البحث والإنقاذ، بل تم إيفاد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو ومسؤولين أتراك إلى بيروت، السبت، حيث التقى الوفد الرئيس اللبناني ميشال عون.

وشدد الوفد على وضع إمكانات تركيا بتصرف لبنان في مجالات المساعدة والإغاثة ورفع الأنقاض ومعالجة الجرحى والمصابين في المستشفيات التركية والاستعداد لإعادة إعمار مرفأ بيروت وترميم المنازل والمؤسسات والطرقات التي تضررت جراء الانفجار.

وفي 4 أغسطس/آب الجاري، قضت العاصمة اللبنانية ليلة دامية، جراء انفجار ضخم في مرفأ بيروت، خلف 171 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، ومئات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، بخسائر تُقدر بنحو 15 مليار دولار، وفقا لأرقام رسمية غير نهائية.

وسبق زيارة الوفد التركي الذي حافظ على دبلوماسية عالية في التعامل مع الحكومة اللبنانية، زيارة أخرى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت.

لكن مراقبين رأوا أن الفرق بين الزيارتين كان شاسعا من ناحية أسلوب التعامل مع المسؤولين اللبنانيين، ففي حين أن الوفد التركي حافظ على دبلوماسيته وأسس العلاقة الأخوية مع لبنان، تعامل ماكرون مع المسؤولين كمفوض سامي جاء ليعيد زمن الانتداب الفرنسي إلى لبنان.

ماكرون تعاطى بفوقية

وفي هذا الصدد، قال النائب السابق عن كتلة "تيار المستقبل" خالد الضاهر للأناضول إن "الجانب السياسي كان طاغياً على الموقف الفرنسا في زيارة ماكرون، وكان التركيز على دور سياسي مرتبط بتاريخ استعماري في لبنان".

وأوضح: "ظهر ذلك من خلال تعاطي ماكرون بفوقية مع الرئيس اللبناني ميشال عون ومع لبنان، وقد أساء لعون والسلطة الحاكمة من خلال عدم الثقة بها علنا وعدم احترامهم".

وفي المقابل، فإن "تركيا أرسلت نائب الرئيس التركي وفرق إغاثة وإنقاذ وجمعيات بشكل لم يسبقها أحد، واليوم (الثلاثاء) ترسل سفينة قمح في ظل أن المخزون اللبناني بات على شفير النهاية"، وفق المتحدث.

وتابع ضاهر: "منذ اللحظة الأولى لانفجار مرفأ بيروت كان الموقف التركي الداعم تجاه لبنان واضحا، وتمثل بإرسال المساعدات الطبية والغذائية والدعم السياسي والاستعداد لإعادة إعمار مرفأ بيروت والمباني المحيطة به وفتح المستشفيات التركية للجرحى وطائرات الإغاثة. كان هناك دعم ومساعدات غير محدودة".

وزاد: "لاحظنا أيضا أن الوفد التركي لاقى ترحيبا حارا من جمهور لبناني عريض خلال الاستقبال والتجاوب الكبير والترحيب".

وكان الدور التركي واضحا، رغم تعمد "بعض الوسائل الإعلامية عدم ظهور هذا الدور، فلم تذكر حتى المساعدات التي تقدمها لبنان، وهذا يدل على أن هناك فريقا لبنانيا يحمل الحقد والكره لتركيا ودورها"، بحسب ضاهر.

الوفد التركي تعاطى بدبلوماسية عالية

وبخصوص زيارة الرئيس الفرنسي، رأى المحلل السياسي وائل نجم، أن "ماكرون تعاطى مع الطبقة السياسية اللبنانية بنوع من الاستعلاء وكأنه المندوب السامي الذي كان قائماً أيام الاحتلال أو الانتداب الفرنسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، واستحقر هذه الطبقة".

وأضاف في حديثه للأناضول، أن ماكرون، "رفض أن يصافح الرئيس اللبناني في حين أنه صافح المواطنين في الجميزة، وتدخل بالشأن اللبناني الداخلي، وهذا يعيدنا بالذاكرة إلى حين أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير في (سبتمبر) أيلول 1920".

وفي 1 سبتمبر/ أيلول 1920، أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير، بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، وبينها سوريا ولبنان، معلنا بيروت عاصمة له، وتمثل علم الدولة آنذاك في العلم الفرنسي تتوسطه شجرة "الأرز" اللبنانية.

وفي المقابل، أكد نجم أن "الوفد التركي تعاطى مع لبنان بدبلوماسية راقية عالية جداً واحترام كبير سواء من ناحية تعامله مع السلطة أو مع الشعب اللبناني، وهو تعامل مع السلطة لأنها سلطة قائمة وشرعية وتتمتع بثقة المجلس النيابي، وإن كان هناك نوع من الانتفاضة على الطبقة السياسية".

"وفي الشارع اللبناني تعاطى الوفد التركي بنوع من الأخوة مع الناس فوجدنا الاندماج بين الوفد واللبنانيين الذين كانوا يجدون الأمل فيه"، بحسب المحلل السياسي.

وقارن نجم بين المساعدات المقدمة من البلدين قائلا: "دعا ماكرون لعقد مؤتمر في باريس (تم الأحد) لمجموعة من الدول التي يمكن أن تقدم مساعدات للشعب اللبناني، في مقابل ذلك قدم الوفد التركي المساعدات العاجلة الصحية والغذائية وأرسل فرق الإنقاذ للمساعدة في رفع الدمار والعثور على الجثث في مكان الانفجار".

وأشار إلى أن "الوفد التركي وضع بتصرف الدولة اللبنانية الكثير من الإمكانيات وتعهد بإعمار مرفأ بيروت من جديد وهذه خدمة كبيرة بالإضافة إلى وضع مرفأ مارسين التركي بتصرف الدولة اللبنانية وهذا ينم عن مسؤولية كبيرة وشعور وجداني وأخلاقي تجاه لبنان وشعبه".

ورأى أن "هناك فرق في لغة التعاطي التركية مع الحكومة والشعب اللبناني، وطريقة الرئيس الفرنسي مع الحكومة والشعب أيضاً".

وشدد نجم على أنه "لا مطامع لتركيا أو محاولات لتمدد نفوذ في لبنان، التصرف التركي والمبادرة التركية هي من باب المبادرة الأخوية البلدين والشعبين الشقيقين".

وأوضح: "الهجمة في الوسط الإعلامي واتهام تركيا بمحاولة التمدد والتغاضي عن النفوذ الفرنسي في لبنان يعود إلى محاولات استدرار عطف بعض الدول العربية التي تناصف لتركيا العداء للأسف وتنتهج سياسات مناهضة لها بالمنطقة وتخشى من الحضور التركي على مستوى العالم الإسلامي".

ماكرون جاء بخطابين متناقضين

المحلل السياسي اللبناني منير الربيع، رأى بدوره، أن ماكرون جاء "بخطابين متناقضين، الأول يقول فيه للناس والمتظاهرين إنه معهم ومع الثورة، وفي اللقاءات السياسية طلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، هذا نوع من التناقض".

وفي حديثه للأناضول، أضاف: "أراد ماكرون أن يقول للناس إنه لا يتعاطى مع القوى السياسية وعند لقائه مع الناس طلب من عون الابتعاد".

وتابع: "الزيارتان الفرنسية والتركية توضع في إطار التنافس على لبنان، الفرنسي يركز على الاهتمام بمرفأ بيروت والبحر الأبيض المتوسط وعلى الاتفاق مع اليونان وقبرص ومصر ليطوق التدخل التركي لأنه يريد أن يواجه تركيا من لبنان إلى ليبيا".

وتابع الربيع: "التركي يعتبر أنه يريد مساعدة لبنان للرهان على العلاقات التاريخية والاجتماعية مع شرائح من المجتمع اللبناني ولذلك نرى هذا التنافس التركي الفرنسي بالمنطقة".

وأردف: "اليوم يأتي وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى لبنان مكملاً للمسعى الفرنسي من خلال الطروحات أو من خلال الالتقاء الفرنسي المصري الاستراتيجي على مواجهة النفوذ التركي في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط".

ووفق تقديرات رسمية أولية، وقع انفجار المرفأ في عنبر 12، الذي قالت السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مُصادرة ومُخزنة منذ عام 2014.

ودفع الانفجار حكومة حسان دياب إلى الاستقالة، الإثنين، بعد أن حلت منذ 11 فبراير/ شباط الماضي محل حكومة سعد الحريري، التي أجبرتها احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية على الاستقالة، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويزيد انفجار المرفأ من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر، من تداعيات أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، وكذلك من استقطاب سياسي حاد، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.