السياسة, دولي, الدول العربية, أخبار تحليلية

انحسار موجات الربيع العربي وفرص الاستئناف(تحليل)

يُنظر إلى ثورات الربيع العربي أو نهوض الحركات الاحتجاجية أو ظهور الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة الاستبدادية، على أنها الإنجاز الأكبر في مسار التحول الديمقراطي خلال العقد الماضي انطلاقا من تونس.

21.01.2022 - محدث : 21.01.2022
انحسار موجات الربيع العربي وفرص الاستئناف(تحليل)

Istanbul

إسطنبول / إحسان الفقيه / الأناضول

- خلقت موجات ثورات الربيع العربي تحولا في الوعي الجماهيري بأهمية تصحيح مسارات أداء الأنظمة الحاكمة، أدى إلى نجاح بعض هذه الدول في التغيير بينما أخفقت دول أخرى..
- غياب الثقة في أوساط النخب السياسية وعدم الانسجام بين تياراتها المختلفة أيديولوجيا، أحدثت حالة من الصراع السياسي على خلفيات فكرية بين التيارين العلماني والإسلامي...
 

يُنظر إلى ثورات الربيع العربي أو نهوض الحركات الاحتجاجية أو ظهور الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة الاستبدادية، على أنها الإنجاز الأكبر في مسار التحول الديمقراطي خلال العقد الماضي انطلاقا من تونس.

في مقابل ذلك، يرى طيف واسع من النخب الفكرية أن ثورات الربيع العربي فشلت في إنجاز مهمة التحول الديمقراطي.

في الحقيقة، خلقت ثورات الربيع العربي تحولا واضحا في الوعي الجماهيري بأهمية تصحيح مسارات أداء الأنظمة الحاكمة فيما يتعلق بالانتعاش الاقتصادي والتنمية وحرية التعبير والانتقال السلمي للسلطة، بعيدًا عن عقود من التغيير عبر الانقلابات العسكرية في الأنظمة الجمهورية، أو عبر الانقلابات أو التوريث داخل منظومة الحكم في الأنظمة الملكية.

وخلال الأسابيع الأولى من ثورات الربيع العربي، بدا واضحا أن هناك انهيارًا في منظومة الحكم بمنطقة الشرق الأوسط لا تستثني أي نظام، وأن هناك تحولات ديمقراطية شاملة تنتقل من بلد إلى آخر، من تونس إلى مصر وليبيا واليمن ثم إلى سوريا.

لكن سرعان ما اتخذت التطورات مسارا آخرًا بدأ في عسكرة بعض الثورات والانتقال إلى حروب أهلية، كما في اليمن وليبيا وسوريا، وانتهى بتأسيس محور "الثورة المضادة" لمنع انتقال الثورات إلى بعض الدول التي تحكمها هي الأخرى أنظمة استبدادية.

امتدادات ثورات الربيع العربي بحراك جماهيري في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، أسقطت أنظمتها، لكنها فشلت في إسقاط النظام بسوريا.

بينما شهدت دول خليجية، السعودية في المنطقة الشرقية والبحرين، حراكا محدودا هدف إلى إجراء إصلاحات جذرية في نظامي الحكم دون أن يحقق الحراك أهدافه.

بصرف النظر عما آلت إليه الأوضاع في تونس ومصر وليبيا واليمن، فقد أنجزت قوى التغيير في هذه الدول مهمة إسقاط أنظمتها التي مارست السلطة طيلة عقود عبر الحراك السلمي، في حين فشلت قوى التغيير في إسقاط النظام السوري.

ولا غرو أن الحركة الاحتجاجية في سوريا أدت إلى ردة فعل عنيفة من قوات النظام، وُصفت بأنها جرائم إبادة جماعية، لكن مع ذلك واصلت الثورة السورية تمسكها بهدفها في إسقاط النظام وإقامة آخر ديمقراطي تعددي.

تمسك الحركة الاحتجاجية في سوريا بهدفها بعث على الأمل لدى شعوب دول المنطقة الأخرى، ومنها الشعب التونسي الذي يواصل تحدي محاولة العودة إلى الاستبداد، عبر حراك جماهيري بلغ ذروته في الذكرى السنوية الـ11 لإسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في يناير/ كانون الثاني 2011، وهو أول حاكم تسقطه الجماهير عبر حراكها السلمي.

وشهدت المنطقة العربية أكثر من موجة من موجات ثورات الربيع العربي نجحت في تغيير الأنظمة الحاكمة بالجزائر والسودان وفشلت في دول أخرى مثل الأردن والعراق ولبنان.

لكن غياب الثقة في أوساط النخب السياسية وعدم الانسجام بين تياراتها المختلفة أيديولوجيا، أحدثت حالة من الصراع السياسي على خلفيات فكرية بين التيارين العلماني والإسلامي يقوم على رؤية كل من التيارين واعتقادهما بوجود مخاوف مشروعة لدى قياداتهما.

ويعيش التيار العلماني هاجس موقع "الشريعة الإسلامية" في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، تقابله هواجس التيار الإسلامي ومخاوفه من سيطرة التيار العلماني وحشد جهوده بدعم خارجي يهدف إلى "تغريب" المجتمعات العربية، ومسخ هويتها العربية والإسلامية.

لكن الشريحة الأكبر من شعوب الدول العربية تبدو غير مكترثة بالصراعات الفكرية، إنما تسعى لتحقيق طموحاتها في حياة أكثر رفاهية واقتصاد أكثر نموا وفرص تعليم ووظائف.

هذا بالإضافة إلى طموحاتها في سيادة دولة القانون، بينما لا تزال النخب العربية متمسكة بخيارات التغيير السلمي والانتقال الديمقراطي على الرغم من الأساليب القمعية والاعتقالات واسعة النطاق وغياب حرية التعبير وقمع الحريات.

ظل الطابع الغالب في التغيير من وجهة نظر الأنظمة الاستبدادية بعيدا عن مبدأ التداول السلمي للسلطة وتغليب صناديق الاقتراع، ما أدى إلى ترجيح الحركة الاحتجاجية فرضية التغيير السلمي لفرض الإصلاح الجذري عبر الحراك الجماهيري، المتمثل بالتظاهرات والاعتصامات التي تؤدي إلى تعطيل عمل مؤسسات الدولة.

لكن مع رفض الأنظمة الاستجابة لمطالبها وبالتالي قمعها، ما خلق مبررات كافية لدى بعض القوى في ليبيا واليمن وسوريا لمحاولة التغيير عبر عسكرة ثوراتهم لمواجهة القمع الدموي لتلك الأنظمة.

ولقد راهنت دول غربية على ما يجري في دول ثورات الربيع العربي، وعلى إمكانية إحراز تقدم كبير في حقوق الإنسان وحرية التعبير بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وأن هذه "الثورات" هي امتداد تاريخي لانتفاضات دول أوروبا الشرقية التي أطاحت بأنظمة الحكم الدكتاتورية الحليفة للاتحاد السوفيتي السابق وانتقالها إلى النظام الديمقراطي.

لكن ازدواجية مواقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ساهمت إلى حد كبير في إضعاف الحركات الاحتجاجية نتيجة تغليب مصالحها بالاصطفاف إلى جانب الأنظمة الاستبدادية إذا كانت تخدم مصالحها، في مصر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي وفي تونس بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بتعليق عمل البرلمان.

الولايات المتحدة، التي تعوّل عليها الكثير من النخب السياسية العربية لإرساء مبادئ الديمقراطية في المنطقة، لا تبدو مكترثة بالديمقراطيات أو حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع إلا بالقدر الذي يخدم مصالحها.

بل إن واشنطن قد تجد في دعم الأنظمة الاستبدادية وحتى إعادة إنتاج البعض منها ضامنا لمصالحها التي يمكن أن تتعرض لأخطار حقيقية إذا وصلت قوى "التغيير" الحقيقية إلى مراكز القرار، وهي القوى المعبرة عن طموحات الشعوب العربية والممثلة لها.

وهناك شعور بخيبة الأمل لدى قطاعات واسعة من الجماهير التي تتطلع إلى التغيير والدخول في مسار الانتقال الديمقراطي.

إلى جانب العوامل الداخلية، لعب العامل الخارجي الدور الأهم في تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي، نتيجة تعارض مصالح بعض الدول الفاعلة مع مصالح الحركات الاحتجاجية التي تستجيب لتطلعات الغالبية العظمى من شعوب تلك الدول، التي عاشت ثورات الربيع العربي في موجتيه الأولى والثانية.

يرى فريق من المحللين أن فشل ثورات الربيع العربي في بعض محطاتها وتحولها إلى حروب أهلية في محطات أخرى، تعطي ما يكفي من القناعة لدى الشعوب المستقرة أمنيا والتي تتمتع بهامش جيد من الرفاهية الاجتماعية ووفرة الوظائف والتعليم والصحة والنمو الاقتصادي، للقبول بأنظمة الحكم القائمة بصرف النظر عن توصيفها، وراثية يغيب عنها تداول السلطة خارج الأسر الحاكمة أو استبدادية أو تتمتع بديمقراطيات شكلية.

بينما يرى فريق آخر، أن حتمية الانتقال الديمقراطي وتداول السلطة سلميا مسألة وقت، طالما توفرت العوامل الموضوعية التي أدت إلى تفجر ثورات الربيع العربي من أوساط الطبقات الفقيرة أو المتوسطة التي تطمح بتحسين أوضاعها الاقتصادية، وحصولها على مساحة أكبر من حرية التعبير وتمسكها بالانتقال الديمقراطي عبر انتخابات نزيهة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın