أخبار تحليلية, التقارير, مرصد تفنيد الأكاذيب

هل تستّر العُثمانيون بالإسلام؟ (مرصد تفنيد الأكاذيب)

نشرموقع سكاي نيوز العربية، ومقرّه أبوظبي، العاصمة السياسية لدولة الإمارات المتحدة، مقالًا يفسر من وجهة نظر الكاتب تعاطف العالم الإسلامي مع التاريخ العثماني ضد مهاجميه، فذكر أن مردَّ ذلك إلى الاستجابة الشرطية.

25.03.2020 - محدث : 25.03.2020
هل تستّر العُثمانيون بالإسلام؟ (مرصد تفنيد الأكاذيب)

Istanbul

إسطنبول / إحسان الفقيه / الأناضول

 - الدولة العثمانية التي اتهمت بالتستر خلف الإسلام، كان الأيسر لها التجرد من الصبغة الإسلامية والانخراط في سلك العالم الأوروبي المسيحي في أوج قوته بينما كان العالم الإسلامي يمر بفترات من الضعف.
 - كيف ظل العثمانيون طيلة ستة قرون يتسترون بالإسلام ويستخدمونه كدعاية لتحقيق أطماعهم؟ هل يتفق هذا مع طبيعة تأثير الأديان في فرض صبغتها؟
 - الحكم العثماني لم يكن حكما ملائكيا، وفيه من فترات الضعف والخور والجور والظلم ما لا يستطيع إحد إنكاره، كشأن عامة الممالك والإمبراطوريات، لكن ذلك لا يسوغ استخدام قصاصات التاريخ لضرب أتراك العصر، فحتى إن كانت هناك تجاوزات للأجداد فإنه لا يُحاسب عليها الأبناء.


نشرموقع سكاي نيوز العربية، ومقرّه أبوظبي، العاصمة السياسية لدولة الإمارات المتحدة، مقالًا يفسر من وجهة نظر الكاتب تعاطف العالم الإسلامي مع التاريخ العثماني ضد مهاجميه، فذكر أن مردَّ ذلك إلى الاستجابة الشرطية.

ولكي يقرب المقال الفكرة للقارئ ضرب للاستجابة الشرطية مثالًا، وهو التجربة التي قام بها عالم النفس الروسي بافلوف، حيث أحضر كلبًا واعتاد عند تقديم الطعام له أن يرن جرسًا معينًا، ومع تكرار الأمر أصبح لعاب الكلب يسيل كلما سمع رنين الجرس حتى من قبل أن يوضع له الطعام، فهنا تم خلْق حالة استجابة شرطية لدى ذلك الحيوان.

ولخلق هذه الإجابة لابد من وجود مؤثر وعلاقة سببية، ثم ذكر أن الأمر يتعدى المستوى الفردي إلى المستوى الجمعي، وأن الكثيرين قد اكتشفوا هذه الاستجابة وقاموا بتوظيفها وتطويعها لرغباتهم، وهو ما فعله العثمانيون مع الشعوب العربية على مر القرون، وفق مزاعم الكاتب، والذي يرمي من وراء ذلك إلى القول بأن الدولة العثمانية خلقت هذا الارتباط الشرطي، بمعنى أنها استخدمت الدين كدعاية لحكمها لإضفاء الشرعية عليه.

الحقيقة تقول:

ثمة بون شاسع بين استخدام الدول للفكرة الدينية التي تمثل محور الارتكاز الحضاري الذي يعني الفكرة المركزية التي يجتمع حولها الناس باعتبارها الثقافة الأم، وبين التوظيف السياسي والعسكري للدين بدافع تحقيق المصلحة مع النأي عن الصبغة الدينية في الحياة العامة.

فكما يرى ابن خلدون وغيره من علماء الاجتماع أن الدول والممالك تقوم على العصبية، وأن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية، وضرب لذلك أمثلة في دولة الموحدين بالمغرب رغم كثرة قبائلها إلا أن الاجتماع الديني ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار.

فمنذ عهد المؤسس الأول، كانت الدولة العثمانية قد ارتبطت بالإسلام، والذي صبغ حياة الأتراك وأصبح هو الهوية الجامعة لهم حتى من قبل تمددها وتوسعاتها، ولم تزل تلك الصبغة تمد أطنابها في الدولة حتى صارت تعبر عن الإسلام، حتى في العقلية الأوروبية.

يقول الدكتور عبد العزيز الشناوي في كتابه "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها": " كان إذا دخل مسيحي أوروبي في الدين الإسلامي قال عنه زملاؤه أنه قد غدا عثمانيا ، ولم يقولوا إنه أصبح مسلما، فالدولة العثمانية كانت الرمز الحي المجسد للإسلام".

إذن فالدولة العثمانية لم تكن بحاجة إلى استخدام الدين كستار ودعاية لمشروعها التوسعي، فهي قد اصطبغت به بالأصل منذ التأسيس، والتصق العرب بالعثمانيين باعتبارهم يمثلون النظام الإسلامي الأقوى في العالم، والذي يلتفون حوله للحفاظ على عباداتهم وشعائرهم وأراضيهم، حيث لم يكن هناك غلبة للنزعة القومية والعرقية، فقط كانت الرابطة الدينية هي المهيمنة.

وإن رسائل البشارة والتهنئة بين السلطان محمد بن مراد الثاني وسلطان مصر على إثر فتح القسطنطينية، حتى نودي في القاهرة بالزينة، والرسائل المتبادلة كذلك بين السلطان العثماني وشريف مكة للأمر ذاته، لهي دليل دامغ على هيمنة الرابطة الإسلامية بين العثمانيين والعرب، وهو ما تناوله المؤرخون أمثال ابن إياس وابن تغري بردي.

لقد حاول كاتب المقال المذكور أن يجعل من فتح القسطنطينية وتحويلها إلى عاصمة الدولة مثالا على استخدام العثمانيين لهذه الورقة لإضفاء الشرعية، متجاهلا السياق الطبيعي لمحاولات المسلمين عبر العصور لفتح عاصمة الدولة البيزنطية لتحقيق بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من عهد الصحابة، وبما أن الدولة العثمانية كانت هي القوة الإسلامية الأبرز، فكان توجهها لتحقيق حلم المسلمين شيئًا طبيعيًا لا يخرج عن سياقه الطبيعي.

كانت الدولة العثمانية ذات طابع إسلامي راسخ، تمثل في حرصها على إقامة الشعائر واحترام التقاليد الدينية، والاهتمام بالأمراء وجعل التربية الإسلامية وحفظ القرآن جزءًا أساسًا في تنشئتهم، والاهتمام بعلماء الشريعة وتقديرهم، والاهتمام بالمقدسات الإسلامية وحمايتها، وتنافس الأمراء وزوجاتهم على بناء المساجد والمعاهد العلمية والكتاتيب، ووقف الأوقاف على المؤسسات الدينية والخيرية، وغيرها من مظاهر الطابع الديني.

إن الدولة العثمانية التي اتهمت بالتستر خلف الإسلام، كان الأيسر لها التجرد من الصبغة الإسلامية والانخراط في سلك العالم الأوروبي المسيحي في أوج قوته بينما كان العالم الإسلامي يمر بفترات من الضعف.

ثم أتساءل أخيرًا: كيف ظل العثمانيون طيلة ستة قرون يتسترون بالإسلام ويستخدمونه كدعاية لتحقيق أطماعهم؟ هل يتفق هذا مع طبيعة تأثير الأديان في فرض صبغتها؟

لذلك لا مناص من القول بأن استياء كثير من المسلمين من الهجوم على التاريخ العثماني باعتباره يمثل الإسلام، أو ما أسماه كاتب المقال بالارتباط الشرطي، ليس وليد صناعة عثمانية مدلسة، بل جاء بناء على ما تراكم في الذهنية الإسلامية والعربية من ارتباط الدولة العثمانية بالإسلام والمسلمين باعتبارها راية التف حولها المسلمون عبر فترات طويلة من تاريخهم، وباعتبار المَوَاطن العديدة التي حمى فيها العثمانيون الأمة من الخطر الخارجي.

وأعود لأكرر: الحكم العثماني لم يكن حكما ملائكيا، وفيه من فترات الضعف والخور والجور والظلم ما لا يستطيع إحد إنكاره، كشأن عامة الممالك والإمبراطوريات، لكن مع ذلك لا ينبغي مسايرة الاتهامات الموجهة إلى التاريخ العثماني التي لا تنبني على أساس صحيح، والأهم من ذلك لا يسوغ استخدام قصاصات التاريخ لضرب أتراك العصر، فحتى إن كانت هناك تجاوزات للأجداد فإنه لا يُحاسب عليها الأبناء.



الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.