محللون: عدم الاستقرار في الأردن لا يخدم أحدًا

ربط بعضهم ما تمر به المملكة بمواقفها من القضية الفلسطينية

عمان/ ليث الجنيدي/ الأناضول

تشغل الأحداث التي يمر بها الأردن، اهتمام كثير من الدول على المستوى الإقليمي والعالمي، بعد أن استطاع إبان مرحلة الربيع العربي المحافظة على استقراره، رغم الاضطرابات التي تشهدها المنطقة.

احتجاجات واسعة شهدها الأردن، بعد إقرار حكومة هاني الملقي "المستقيلة" قانون ضريبة الدخل المعدل، الذي أثار جدلًا واسعًا وردود فعل غير متوقعة في البلاد.

وأخذت تحليلات المراقبين تتناول المنحى السياسي إلى جانب الاقتصادي، فيما تشهده المملكة، رابطين ذلك بمواقف اتخذتها عمان مؤخرًا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وما يرتبط بها من ملفات.

الأردن الذي يحرص على ألا يكون حل القضية الفلسطينية على حساب مصالحه، أصر في مواقفه على المفاوضات التي تحقق للفلسطينيين إقامة دولتهم على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

كثير من التقارير تحدثت عن أن ما يشهده الأردن من احتجاجات، يرتبط بمواقفه المخالفة لحلفائه التقليديين، الذين حاولوا إقصاء دوره المعتاد بشأن القضية الفلسطينية، سواء فيما يتعلق بالحوار بين أطراف الصراع، أو حتى بوصايته على المقدسات الإسلامية في القدس.

لم يستبعد المحللون الذين تحدثت إليهم الأناضول، أن يكون موقف الأردن الرافض لـ"صفقة القرن" من الأسباب المؤدية لما تشهده المملكة من احتجاجات؛ لا سيما في ظل تخلي بعض الدول عن دعمها لعمان، كنوع من العقاب على موقفها.

و"صفقة القرن"، هي خطة تعمل عليها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية، تمهيدًا لقيام تحالف إقليمي تشارك فيه دول عربية وإسرائيل، لمواجهة الرافضين لسياسات واشنطن وتل أبيب.

فيما اعتبر آخرون أن عدم بحث الأردن عن تحالفات جديدة وحلفاء جدد في المنطقة، كان له دور أيضًا، وجعل البلاد غير قادرة على تجاوز الظروف الاقتصادية التي تمر بها.

عامر السبايلة، الخبير والمحلل السياسي، قال في حديث للأناضول: "لا أعتقد بأن صفقة القرن وموقف الأردن منها ومن القضية الفلسطينية له علاقة بالاحتجاجات التي تشهدها البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر".

وأضاف: "ما يجري فعليًا هو ناتج عن حالة العزلة السياسة التي يعيشها الأردن؛ لعدم قدرته على بناء تحالفات استراتيجية على أكثر من مستوى".

وأوضح أن تلك المستويات، تتمثل في "عدم المضي قدمًا في المحور السعودي المصري الإماراتي".

وأردف: "أما المستوى الثاني فهو عدم قدرة الأردن على إحياء الجغرافيا، والمتمثل في تفعيل الواقع الجغرافي، والمتعلق بموضع العلاقة مع سوريا والعراق".

"والتحول في الموقف الأمريكي بالتعاطي مع الأردن باعتباره لم يعد حجر أساس في المنطقة؛ لأن السعودية أهم من ناحية البراغماتية السياسية"، كان هو المستوى الثالث حسب السبايلة.

من جهته، قال حسن المومني، الخبير في النزاعات الدولية إن "المنطقة لا يوجد فيها تحالفات بالمعنى القائم على المصالح المشتركة، وهي تحالفات ظرفية.. كل ذلك نتيجة للتغيرات في المنطقة عام 2011".

وأضاف في حديث للأناضول: "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي طالما شكل تحديًا للأردن، وموقفه لم يعجب التحالفات، ودائمًا كان تحت ضغوط".

ورأى أنه "بالدرجة الأساسية، ما يجري في الأردن عائد إلى فشل إدارة الدولة للملف الاقتصادي، إضافة إلى الظروف والضغوط الإقليمية".

ونوّه المومني إلى أن "الضغط الاقتصادي في الأردن قبل ظهور صفقة القرن، كما أن الحلفاء الإقليميين الداعمين للمملكة لديهم تغيرات، كالسعودية وغيرها".

وأشار إلى أن "البيئة في السياق العام بيئة ضاغطة، والقضية الفلسطينية تتصدر وكأن الحل بيد الأردن".

وتابع: "الأردن عمليًا لم يعد سلطة سياسية في التفاوض بما يتعلق بالسيادة الفلسطينية، والعلاقة هي فقط بالوصاية على المقدسات الدينية".

واختتم المومني بالقول: "لا أعتقد أن فقدان سيطرة الأردن على زمام الأمور داخليًا وعدم استقراره يخدم أي طرف".

من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية، محمد كنوش الشرعة‎ أن "الظروف التي يمر بها الأردن استحقاقات كان عليه دفعها؛ في ظل الضغوط التي مورست عليه من قبل قوى سياسية خارجية (لم يسمها)؛ لتصفية القضية الفلسطينية على حسابه".

وقال الشرعة وهو برلماني سابق، للأناضول: "هذا ما جعل صانع القرار الأردني يتخذ مواقف متشددة بشأن القضية الفلسطينية، وبأن الحل يجب أن كون من خلال السلطة الفلسطينية وإقامة دولة ذات سيادة".

وأشار الشرعة إلى أن "هذه العوامل أدت إلى وقف المساعدات بشكل جزئي وكلي عن الأردن، مما رتب على صانع القرار القيام بإجراءات وقائية؛ من أجل تعويض ما نقصه من مساعدات، التي كان مشروع قانون الضريبة إحداها".

وأوضح أن "إعداد قانون الضريبة بهذا الشكل، واحد من الضغوط التي مورست على الأردن من خلال صندوق النقد الدولي، حتى يستطيع أن يحصل على شهادة حسن سلوك، لكي يستطيع أن يقترض من البنوك الدولية؛ لدفع الرواتب والمستحقات الشهرية للمواطنين".

ودعا الشرعة المجتمع الدولي وكل الدول العربية للوقوف إلى جانب الأردن في محنته التي يمر بها، وتقديم المساعدات المستعجلة، باعتبار الأردن دولة حافظة للسلام ومكافحة للإرهاب نيابة عنها.

وشدد الشرعة على أن "الشعب الأردني مدرك تمامًا أن الأمن والأمان هما أساس الاستقرار في البلاد، ولن يقبل بأن تمرر أي صفقة على حسابه".

ونظمت احتجاجات عارمة، خلال الأيام الماضية، أدت إلى استقالة حكومة هاني الملقي، الإثنين؛ فيما كلّف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الثلاثاء، عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.

وأقرت الحكومة المستقيلة، في 21 مايو/أيار الماضي، مشروع قانون معدل لضريبة الدخل، وأحالته إلى مجلس النواب لإقراره.‎

وينص المشروع، على معاقبة المتهربين من دفع الضرائب بغرامات مالية، وعقوبات بالسجن تصل إلى 10 سنوات، وإلزام كل من يبلغ 18 عامًا بالحصول على رقم ضريبي.

وتضمن المشروع إخضاع من يصل دخله السنوي إلى 8 آلاف دينار (11.2 ألف دولار) بالنسبة للفرد للضريبة، بينما تُعفى العائلة من الضريبة إذا كان مجموع الدخل السنوي للزوج والزوجة أو المعيل 16 ألف دينار (22.5 ألف دولار) أو أقل.

بينما كان المقترح السابق للقانون، يشمل خفض سقف إعفاءات ضريبة الدخل للأفراد الذين يبلغ دخلهم السنوي 6 آلاف دينار (8.4 آلاف دولار)، بدلًا من 12 ألف دينار (16.9 ألف دولار)، و12 ألف دينار (16.9 ألف دولار) للعائلة بدلًا من 24 ألف دينار (33.8 ألف دولار).