تركيا, الثقافة والفن, التقارير

الفقيه طه عبد الرحمن.. فيلسوف مغربي مدافع عن الأخلاق (بروفايل)

منحت تركيا الفيلسوف طه عبد الرحمن، جائزة "نجيب فاضل" للثقافة، نسخة 2020 ـ 2021

14.01.2021 - محدث : 14.01.2021
الفقيه طه عبد الرحمن.. فيلسوف مغربي مدافع عن الأخلاق (بروفايل)

Rabat

الرباط / خالد مجدوب/ الأناضول

- انتقد فلسفة الغرب التي تحيد عن "الأخلاق" ودعا إلى استخدام مفاهيم جديدة مرتبطة بالعالم الإسلامي بعيدة عن تلك الموجودة بالغرب
- توجه إلى الزاوية القادرية البودشيشية (أكبر طريقة صوفية بالبلاد) ليحمل بعد ذلك لقب الفيلسوف المتصوف
- بعد التجربة الصوفية حاول طه أن يضفي على الفلسفة طابعا خاصا وميزانا نوعيا، كفتيه الفلسفة والفقه، حاملا لواء الأخلاق أينما حل وارتحل

نشأ في بيت للعلم، وتربى في كنف أبيه الفقيه والمدرس إبان الاحتلال الفرنسي للمغرب، اختار الفلسفة دراسة ومنهجا حتى هزيمة حرب 1967 التي شكلت له "دافعا" لدراسة المنطق والعقل، ثم أخذ حقيبته صوب فرنسا للتحصيل العلمي ليرجع مجددا لبلاده مدرسا بعدما كان دارسا، ومسلحا بمنهج يجمع بين الفقه والفلسفة رغم صعوبة الخوض فيهما.

كثيرة هي الألقاب التي حملها طه عبد الرحمن، فيلسوف الأخلاق وفيلسوف المتصوفة وفقيه الفلسفة، طيلة 76 من التحصيل العلمي، معلما ومتعلما، اللقب الأول لكونه دافع عن الأخلاق، واللقب الثاني بحكم انتمائه لأكبر طريقة صوفية في البلاد، والثالث لكونه جمع بين الفقه والفلسفة.

طه عبد الرحمن الذي رأى النور بالجديدة، مرورا بالدار البيضاء والرباط وفرنسا والعودة مجددا إلى العاصمة الرباط، اختار أن ينبري مدافعا عن الأخلاق عملا ومنهجا.

اختار أن يسبح ضد التيار إبان السبعينات حيث كان مشعل اليسار متقدا، واعتمد على أطروحة الأخلاق في منهجه، منتقدا فلسفة الغرب التي تحيد عن "الأخلاق"، ودعا إلى استخدام مفاهيم جديدة مرتبطة بالعالم الإسلامي بعيدة عن تلك الموجودة بالغرب، حتى يكتمل بناء البيت الداخلي للعلم والفلسفة في البلدان العربية والإسلامية، والابتعاد عن التكرار والتبعية والتي تؤدي إلى "الباب المسدود".

فقه وشعر وفلسفة

عام 1944 رأى النور بمدينة الجديدة (كانت تعرف سابقا بمزاكان، المدينة ذات الطابع البرتغالي بحكم تشييدهم لمباني إبان استعمارهم لها)، ليكمل تعليمه الابتدائي بهذه المدينة.

ترعرع طه في بيت علم، والده كان له كتاب (مكان لتحفيظ القرآن)، ولكنه تعرض للمنع من طرف المستعمر الفرنسي.

طه تابع دراسته في مدرسة الأعيان بالجديدة إلا أن الأب لم يتخلف عن تعليمه القرآن والفقه في المنزل.

كبر طه وكبر معه حب مظاهر الجمال وبواطنه، وهو ما جعله يرتبط بالشعر وينسج أبياتا تنم عن حس داخلي دفين، ليشارك في جائزة لاتحاد كتاب المغرب العرب (أكبر تجمع للمثقفين والكتاب المغرب) ويفوز وينخرط في هذ الاتحاد كأصغر عضو آنذاك.

الطلاق مع الشعر تم في عام 1967 بعد هزيمة العرب.

وشنّت إسرائيل في 5 من يونيو/ حزيران 1967، هجومًا على مصر والأردن، وسوريا، وتمكنت من احتلال شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان.

وأطلقت إسرائيل على هذه الحرب اسم "الأيام الستة"، فيما عُرفت عربياً بـ "النكسة"، أو "حرب حزيران.

وبعد هذه الهزيمة، رأى طه أن من واجب الشباب التعرف عن أسباب تفوق العقل الغربي على نظيره العربي، لذلك اتجه إلى علم المنطق.

شد الرحال مع أسرته إلى مدينة الدار البيضاء (كبرى مدن البلاد ) إلى غاية الثانوية العامة.

بعد ذلك أخذته عوالم الفلسفة إلى العاصمة الرباط ليتابع دراسته بجامعة محمد الخامس (حكومية وأحد أشهر الجامعات في البلاد)، ليحصل على الإجازة (البكالوريوس) في شعبة الفلسفة.

الهجرة

طلب العلم بالنسبة لعبد الرحمن ليس له حدود، وهو ما جعله ينتقل إلى فرنسا لمتابعة دراسته في جامعة السوربون.

اختار عبد الرحمن أن يحصل مجددا على الإجازة (البكالوريوس) في الفلسفة في فرنسا، ثم الدكتوراه في موضوع "اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود".

بعد العودة إلى أحضان الوطن، عاد مجددا إلى جامعة محمد الخامس بالرباط، أستاذا لا طالبا، حيث كان يدرس المنطق وفلسفة اللغة.

العمل لم يمنع طه عبد الرحمن من الحصول مجددا على دكتوراه الدولة عام 1985 بأطروحة تحت عنوان "رسالة في الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه".

من الفلسفة إلى الفقه

رسم عبد الرحمن مسارا فلسفيا مغايرا جمع ما بين الفلسفة والأخلاق، وهو ما جعله يحفر على الحجر، ولكن المحاولات جعلته كالماء الذي يستطيع حفر الحجر ولو بعد حين.

محاضرات وكتب ومؤلفات ودراسات وتحصيل علمي بعدد من اللغات، عبدت لعبد الرحمن الطريق لرسم معالم مشروعه الفلسفي القائم على الأخلاق.

بعد اطلاع طه الكبير على الفلسفة أمسى في حاجة إلى الجواب عن أسئلة أخرى، خصوصا الجانب الروحي وليس المادي. لذلك توجه إلى الزاوية القادرية البودشيشية (أكبر طريقة صوفية بالبلاد) ليحمل بعد ذلك لقب الفيلسوف المتصوف.

فأحيانا لا نجد أجوبة في مجال معين، لنسافر إلى مجال آخر لعلنا نظفر بالمراد، وهو ما حدث لطه في بحثه عن الحقيقة.

وبعد التجربة الصوفية، حاول طه أن يضفي على الفلسفة طابعا خاصا وميزانا نوعيا، كفتيه الفلسفة والفقه، حاملا لواء الأخلاق أينما حل وارتحل.

انتقد الفكر الغربي الحديث الذي تجنب الأخلاق، وطال انتقاده للفكر العربي الذي يحاول توظيف مصطلحات الغرب بدون إنتاج مفاهيم خاص به، وهو ما جعل الفكر العربي يدور حول حلقة مفرغة.

وديسمبر الماضي، قررت تركيا منح الفيلسوف والمفكر المغربي طه عبد الرحمن، جائزة "نجيب فاضل" للثقافة، نسخة 2020 ـ 2021.

وتُمنح جوائز "نجيب فاضل" كل عام، تحت رعاية الرئيس رجب طيب أردوغان وبحضوره، بهدف الحفاظ على الميراث المعنوي والثقافي للشاعر والكاتب التركي نجيب فاضل كيصاكوريك.

ولد كيصاكوريك عام 1904، وأتقن عدة لغات أجنبية في شبابه، ودرس في قسم الفلسفة بكلية الآداب التابعة لجامعة إسطنبول.

وتعرف وصادق كثيرا من الشعراء المرموقين خلال دراسته الجامعية، وألف أكثر من 100 كتاب.


الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın