السياسة, دولي, التقارير, شرق المتوسط

فرنسا واليونان.. الجهات الفاعلة بالوكالة شرق المتوسط (مقال تحليلي)

يلعب حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقته الشرقية التي تعد بمثابة القلب منه، دورًا تاريخيًا بأهميته الجيوسياسية والجيوستراتيجية.

16.09.2020 - محدث : 21.09.2020
فرنسا واليونان.. الجهات الفاعلة بالوكالة شرق المتوسط (مقال تحليلي)

Istanbul

إسطنبول/محمد سيف الدين أرول/ الأناضول

- الحديث عن حرب ومواجهة بالوكالة تتغير فيها "الوسائل والأطراف الفاعلة"
- لا شك أن الأزمة التي تترائى وكأنها بين دولتين قوميتين قد تجاوزت هذه المرحلة
-  بدخول فرنسا أصبحت أزمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي

يلعب حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقته الشرقية التي تعد بمثابة القلب منه، دورًا تاريخيًا بأهميته الجيوسياسية والجيوستراتيجية.

وقد أكدت الأحداث الأخيرة مدى أهمية هذه المنطقة الكبيرة في رسم الخريطة السياسية العالمية وإعادة تشكيل النظام الدولي.

وتشهد المنطقة، التي تبرز على الساحة باعتبارها عنوانًا جديدًا "للمواجهة وتصفية الحسابات" حيث تتقاطع مشاريع القوى الإقليمية والعالمية، صراعًا على السلطة تزداد حدته يومًا بعد يوم.

وتشابكت في هذه الأزمة بشكل كبير مبادرة "الحزام والطريق"، وهي أداة مهمة في سياسة الصين تجاه الغرب، وتتزامن مع عودة سريعة إلى الرموز التاريخية لمشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي يعد جزءً مهمًا من هدف الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وسياسات روسيا، التي تتوق إلى روسيا القيصرية (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية).

وتحاول روسيا تنفيذ ذلك من خلال سياستها تجاه الجنوب، ونحو الغرب والشرق ومستقبل الإمبراطورية الألمانية الكبرى الذي يحلم به الرايخ الرابع.

ولذلك، يبدو شرق البحر المتوسط أحد مفترقات الطرق الهشة للغاية في عملية بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب.

وهذه الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية التي تنسبها الأطراف إلى المنطقة، تعني أكثر من مجرد الصراع على السيطرة على احتياطيات الغاز الطبيعي (أو أمن الطاقة) والممرات المائية في المنطقة.

ولذلك، فقد اكتسبت مسألة من سيمتلك حوض البحر الأبيض المتوسط أهمية أكبر بكثير من الأمس.

وهكذا، فإن الأهمية البارزة لشرق المتوسط من حيث مستقبل "اللعبة الكبرى"، التي تهدف إلى التحول من الجانب الغربي لأوراسيا إلى الجانب الشرقي، قد نشّطت خطوط التصدع الجيوسياسي في المنطقة.

ولهذا فإن مسألة الشرق الأوسط تبدو كأزمة تحمل في طياتها الكثير من الأزمات، ولذلك، فإن الصراع على الهيمنة أو إعادة تقسيم المنطقة يتبع مسارًا متوترًا ومضطربًا للغاية من الناحية العسكرية والدبلوماسية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل ستصبح منطقة شرق المتوسط حقاً تحت سيطرة الغرب المتمركز في الولايات المتحدة على النحو المنشود، أم أن مياهها العميقة ستخضع للهيمنة الأمريكية؟.

وما الذي تستهدفه الأطراف الفاعلة من أزمة شرق المتوسط؟ وما موقع تركيا من الأزمة؟ وماذا تعني الأزمة بالنسبة لأنقرة؟ ومن هم أطراف الأزمة في التوتر القائم بين تركيا واليونان وما هي الحسابات الخفية لهم؟ ولماذا يتم عرقلة تركيا حتى لا تصبح قوة فاعلة في حوض المتوسط؟.

** تسمية الأزمة بالشكل الصحيح

تبدو أزمة شرق المتوسط، التي يتم تصويرها على نطاق ضيق بأنها أزمة قائمة بين تركيا واليونان، ولكنها تضم في ثناياها رقعة جغرافية واسعة وأطراف متعددة، أكبر من كونها أزمة ثنائية إقليمية حيث تعبر عن أزمة دولية متعددة الأطراف، ومن ثم فإن اليونان وتركيا هما مجرد قمة جبل الجليد في الأزمة.

وتختلف هذه الأزمة عن أزمة العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الأزمات الأخرى، إذ أن هذه الأزمة ليست بين منظمات أو تقوم بإدارتها منظمات.

ولذا فنحن نتحدث هنا عن حرب ومواجهة بالوكالة تتغير فيها "الوسائل والأطراف الفاعلة"، ولا شك أن هذه الأزمة التي تترائى وكأنها بين دولتين قوميتين قد تجاوزت هذه المرحلة وأصبحت بدخول فرنسا فيها أزمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

ومن الملفت للانتباه بهذا الصدد الجهود التي تحاول تحويل هذه القضية إلى أزمة بين تركيا وحلف "الناتو"، وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية في النهاية.

ولعل تبلور المشكلة عبر اليونان وفرنسا على أنها بين تركيا والغرب يحمل معنى هام للغاية ويعبر عن دور اليونان وفاعليتها في هذه الأزمة.

وعند التدقيق في بعض التحليلات التي صدرت في الصحافة الإسرائيلية مع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمرشح للرئاسة الأمريكية جو بايدن مؤخراً، نرى أن الإرادة التركية قد تم استهدافها بشكل واضح من خلال وصفها بـ"دولة فاشلة" في عدة سياقات.

ولعل اكتساب موقف الأطراف الفاعلة شكل أكثر وضوحاً مما كان عليه يمثل أهمية كبيرة لأنقرة وخاصة وهى على مشارف "حرب باردة جديدة".

وعليه فإنه من الممكن أن يتم وصف أزمة شرق المتوسط بأنها "أزمة غربية" ستؤثر على مستقبل الغرب.

ورغم أن أزمة شرق البحر المتوسط تبرز على أنها "صراع /حرب لتقاسم الموارد"، إلا أنها تبدو أمامنا كصراع استباقي، بل وحتى عملية هامة، للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في النضال من أجل "السيطرة / والتحكم بالممرات المائية" وخاصة مع "مبادرة الحزام والطريق" وسياسة "الجنوب" الروسية، والتي تشمل الاستحواذ على ليبيا عبر سوريا من خلال النزول إلى البحر المتوسط.

ولعل اعتبار تركيا واليونان على أن كل منهم دولة حليفة في هذه العملية يعمل على إظهار هذه المشكلة كأنها "أزمة داخلية للغرب" والإبقاء على الأطراف الفاعلة الأخرى خارج إطار هذه المرحلة، وقد تجلى ذلك بشدة من تحرك الاتحاد الأوروبي بل وحلف "الناتو" عبر هذا السياق.

** أهداف الأطراف الفاعلة في أزمة شرق المتوسط

وهناك سؤال آخر يطرح نفسه، وهو هل سيتمكن الغرب من الحصول على النتيجة التي يرغبها من هذه الأزمة؟

والإجابة أن ذلك يبدو صعباً؛ لأن الغرب لا يبدو أمامنا كجسد واحد بل يمتلك هيكلًا متعدد الأجزاء وينقسم بداخله كل يوم.

ويمكننا أن نرى هذا الانقسام بشكلٍ عام في الأزمات الخاصة بمنطقة البحر المتوسط بعد الربيع العربي، وبخلاف ذلك، فإن مواقف القوى المنافسة الأخرى لها الآن مكانة حاسمة.

أما أهداف الولايات المتحدة في أزمة شرق المتوسط المندلعة بين تركيا واليونان فيمكن تلخيصها فيما يلي: توحيد الغرب الذي يواجه انقسام وصراع قوى بداخله من جديد عبر شريك آخر، ومن ثم العمل على تأكيد ولايتها على الغرب وسحب تركيا إلى "محورها القديم" وتحويل الغرب إلى "الطفل المطيع".

والهدف الثاني لواشنطن، هو إخراج روسيا من منطقة البحر المتوسط بعد تحقيق وحدتها وتأكيد قيادتها وكسبها لتركيا من جديد، ومحاصرتها في دول البلطيق والبحر الأسود ومنطقة القوقاز ووسط آسيا وإجبارها على الانفصال عن الصين. وتعزيز قدرتها في المنطقة الأكثر أهمية في مشروع "الحزام والطريق" الخاص بالصين.

أما أهداف ألمانيا فيمكن تلخيصها على هذا النحو: وضع حد للمناقشات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي وموقفها منه. وتحويل الاتحاد إلى جهة فاعلة وقوية في المجالات السياسية والأمنية، وتقليل تبعيته للولايات المتحدة من خلال إضعاف قيادة "الناتو" والولايات المتحدة في مثل هذه الأزمات، والتحول إلى لاعب مستقل، وكسب تركيا في صفها.

أما عن أهداف فرنسا فيمكن سردها كالآتي: إثبات كفاءتها في الناحية السياسية والعسكرية، ولعب الدور الذي عينته الولايات المتحدة وإسرائيل لـها في مشروع "الشرق الأوسط الكبير" كقوة فيلق الغرب؛ ومن ثم إقناع الولايات المتحدة بتنفيذ مشروع "جيش الاتحاد الأوروبي".

ومن بين أهدف فرنسا أيضا، وضع تركيا في موقف العضو الذي يسبب المشاكل في حلف "الناتو"، وطرح نفسها من جديد كقوة استعمارية في حوض البحر المتوسط تحت اسم "فرنسا الكبرى".

وعن أهداف روسيا في هذه الأزمة فيمكن سردها على النحو التالي: حماية مكتسباتها في سوريا، تقوية نفوذها في منطقة البحر المتوسط ومن ثم المحافظة على المكتسبات التي حققتها في إطار سياستها نحو الجنوب، وتقوية وضعها في مناطق البلقان والبحر الأسود والقوقاز.

كما تسعى روسيا إلى الاستفادة من الأزمة بين تركيا واليونان وجعل كلا الطرفين وخاصة أنقرة تابعة لها، وتحفيز تركيا على الابتعاد عن الاتفاق مع الغرب، وتوجيه ضربة للاتفاق الغربي من خلال هذه الأزمة وفي مقدمته حلف "الناتو".

** لماذا يتم استهداف تركيا؟

وكما يتضح لنا فإن الهدف المشترك لجميع الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة هو تركيا، لأن مسارها في الصراع العالمي ودورها الذي يحدد إطارها وعدم قبول كافة الأطراف لذلك، يضعها في موقف الدولة التي لابد من السيطرة عليها.

ويمكن سرد الأهداف التي ترغبها هذه الأطراف المعنية من تركيا على هذا النحو: العمل على استمرار حاجة أنقرة للدول الأجنبية في مجال الطاقة ومنعها من أن تصبح لاعبا فاعلا في هذا السوق، محاصرتها من الجنوب وإعاقة وصولها إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

كما تسعى تلك الدول إلى إضعاف شوكة تلك الدول في مشروع "الحزام والطريق"، وعرقلة المسارات المائية وأمن الطاقة الخاص بها، وإنهاء وجودها في جزيرة قبرص والبحر المتوسط وبحر إيجة، وعرقلة تركيا في أن تصبح قوة عالمية وذلك بعد أن أثبتت بحريتها قوتها الضاربة وحافظت على نفوذها في البحر المتوسط.

ومن الواضح أنه يتم استغلال اليونان للحيلولة ضد أن تكون تركيا قوة فاعلة وعالمية في البحر المتوسط.

وترفض أنقرة الأدوار التي يتم محاولة فرضها في هذه الأزمة، ولعل هذا هو السبب الأساسي لظهور "الدولة المركزية" التي بدأت تركيا في التعبير عنها بصوت عال.

ولعل إصرار أنقرة على لعب دور "القوة الموازنة للاختلال" الواقع في هذه المنطقة؛ هو ما يجعلها في موقف "الحليف/ الشريك" الخطر، وهو السبب الرئيسي للأزمة الواقعة في شرق المتوسط.

** ما الذي يمكن أن تفعله تركيا؟

تجدر الإشارة إلى أن تركيا قد لعبت دور"مفسد السيناريو ومؤسس السيناريو" في كافة الأزمات التي ظهرت في مناطق البلقان والبحر الأسود والقوقاز والشرق الأوسط وشمال إفريقيا من قبيل أزمة (روسيا وجورجيا، وروسيا وأوكرانيا والقرم، وأذربيجان وأرمينيا، والعراق، وسوريا، وليبيا وغيرها من النماذج).

ولهذا أصبحت تلعب دوراً استثنائياً في المنطقة، وهذا بمثابة ميزة لتركيا توفر لها مجالاً واسعاً للمناورة على الجانب العسكري والدبلوماسي.

ويجب على تركيا أن تبحث عن اتفاقيات ومجالات جديدة للتعاون في منطقة البحر المتوسط، وعليها أن تتبع سياسة متزنة من الناحية العسكرية والدبلوماسية في علاقاتها مع الغرب حتى اللحظة الأخيرة، كما ينبغى عليها أن تتبع سياسة فاعلة تحافظ على مصالحها وحقوقها ضد الغرب في هذه الأزمة.

ومما لا شك فيه أن الغرب لن يغامر بخسارة تركيا في موقف حساس كهذا؛ لأن تركيا لها مكانة واضحة في تكوين الغرب الجديد.

ومن ثم فمن الأهمية بمكان التركيز على مواقف ألمانيا وبريطانيا تجاه تركيا، كما أنه من الضروري تطوير العلاقات مع لندن التي تحاول تأسيس سياسات جديدة ومنافسة وفقاً للمصالح المتبادلة ومبدأ "الربح المتبادل"؛ لأن ذلك سيعمل على توسيع مجال المناورة أمام تركيا وتقليل الضغط الممارس ضدها.

كما يمكن لتركيا أن تبدأ مناورات مشتركة في البحر المتوسط مع أطراف أخرى خلاف الأطراف الغربية وذلك في إطار وضع أسس جديدة لتعاون أكثر صحةً وتوازنًا مع الغرب.

ومن ثم فمن الممكن عمل مناورات في شرق المتوسط بين "تركيا - روسيا"، و"تركيا - روسيا - الصين" و "تركيا - روسيا - الصين - إيران".

ومن المؤكد أن مثل هذا الأمر سيضع الغرب في حالة تأهب قصوى تجاه تركيا، إلا أنه لابد على أنقرة أن تكون مستعدة وألا تتخلى عن موقفها الحاسم ومصالحها وحقوقها في هذه المسألة.

وهناك أمر آخر وهو ضرورة أن ترى تركيا الأطراف الأصلية التي يجب عليها مخاطبتها في هذه الأزمة، وأن تحدد موقفها وتطور سياستها وفقاً لذلك، وإلا ستجد نفسها أمام طرف غير فاعل (بالوكالة) في هذه الحرب الموجهة إليها.

والنقطة الأخيرة في هذا الصدد هو أنه ينبغي أن تظهر أنقرة للرأي العالمي النتائج المتوقعة للأزمة القائمة في شرق المتوسط، وأن توضح أن المعايير المزدوجة والمواقف الأحادية في هذه الأزمة ستضر بشكل خطير بالتحالف الغربي، وخاصة حلف الناتو.

وعلى تركيا أن تبرز للولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة ما هي الخسائر التي ستحدثها سياسات ألمانيا/الاتحاد الأوروبي وإسرائيل المتبعة في هذه الأزمة، لأن اللعبة التي تُلعب عبر اليونان تستهدف أيضًا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ولا شك أن شوكة الولايات المتحدة إذا خسرت تركيا ستضعُف أمام ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وستتعرض سياساتها في أوراسيا وأحواض البحار الخمسة وفي مقدمتها المتوسط لخسائر فادحة، ومن ثم فإن أزمة شرق المتوسط ستؤثر على أمريكا بشكل يفوق تأثيرها على تركيا.

** البروفيسور محمد سيف الدين أرول، عضو هيئة التدريس بجامعة "حاجي بايرام ولي" بأنقرة، مدير مركز أنقرة للأزمات والسياسات

** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الوكالة


الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın