الدول العربية, التقارير

برزخ قبل الممات.. نازحون يمنيون تؤويهم المقابر (تقرير)

مع وجود معارك ضارية في الحديدة (غرب) منذ يونيو / حزيران 2018، بين القوات الحكومية مدعومة بالتحالف العربي من جهة، وجماعة "الحوثي" من جهة أخرى.

22.11.2018 - محدث : 23.11.2018
برزخ قبل الممات.. نازحون يمنيون تؤويهم المقابر (تقرير)

Yemen

عدن/ شكري حسين/ الأناضول

من شهادات بعض النازحين:
-عقلان: نعيش بجوار الأموات لا فرق بيننا وبينهم سوى أننا نتنفس وقلوبنا تخفق
-فاطمة: نبحث عن الطعام في مكبّات القمامة!! حالنا كحال الحيوانات
-عقلان: نفتقد لأبسط متعلقات الحياة وننام في العراء بدون أغطية تقي أجسادنا 
-يحيى: نتوسد الحصى وأحجار القبور تحت رؤوسنا، وهي أرحم بنا من أبناء جلدتنا
-الحمادي: لم يصل للنازحين أية مساعدات من منظمات أو الحكومة، ولم يلتفت أحد لمعاناتهم

لم تجد عشرات الأسر النازحة من محافظة الحديدة اليمنية، جرّاء القتال الدائر فيها منذ شهور، مكانا تأوي إليه في العاصمة المؤقتة عدن، سوى مقبرة "القطيع" بمدينة كريتر.

أطفال ونساء وشيوخ، أجبرتهم ظروف الحرب القاسية على العيش وسط قبور اتّخذوا منها مأوىً تستريح فيه أرواحهم المرهقة، وتستكين على عتباته أجسادهم المنهكة، يعيشون كالأموات فيما هم "هالكون بقلوب تخفق".

150 أسرة تتقاسم يوميًا تفاصيل حياة مؤلمة تخلو من أي باعث للبهجة، ما أن تتحسس خبرًا سارًا إلّا ويلحقه عذابات لا حصر لها، وكأنها عادت إلى عصور حجرية بلا غذاء أو دواء أو ماء، فيما تُعد الكهرباء والغاز الغائبين، حلمًا برفاهية مفرطة.

وتشهد الحديدة (غرب) منذ يونيو/ حزيران 2018، معارك ضارية بين القوات الحكومية مدعومة بالتحالف العربي من جهة، وجماعة "الحوثي" من جهة أخرى، تسببت بفرار مئات الآلاف من الأسر إلى محافظات عدن ولحج وأبين (جنوب)، لكنها ما زالت تعاني ظروفا قاسية تفتقر لمقومات الحياة.

** "أموات على قيد الحياة"

"نعيش بجوار الأموات، لا فرق بيننا وبينهم سوى أننا نتنفس الهواء وقلوبنا ما تزال تخفق"، بهذه الكلمات استهل سالم ناصر عقلان (37 عاماً)، النازح من مدينة "الجراحي" غربي الحديدة، حديثه مع الأناضول.

يقول عقلان: "نفتقد إلى أبسط الأشياء المتعلقة بالحياة، حيث لا غذاء ولا دواء ولا ماء، فضلاً عن كوننا ننام في العراء بدون أغطية تقي أجسادنا حرارة شمس النهار وزمهرير البرد ليلًا".

ويشير إلى أنه انقضى على وجوده وأطفاله الستة في المقبرة 4 شهور، دون أن تزورهم منظمات إغاثية محلية أو دولية، ويضيف قائلًا: "نحن أموات على قيد الحياة".

الدخان المنبعث من أعواد الحطب المحترق، أغرق عينيها المتعبتين بالدموع، إذ تحاول كلثوم إبراهيم (30 عامًا)، طبخ ما تيسر من الطعام لأبنائها الأربعة.

ولدى اقتراب مراسل الأناضول لسؤالها عما تفعل، بادرت إبراهيم بالقول: "كما ترى أحاول طبخ قليل من حب الذرة مع الماء، على أعواد الخشب لعدم وجود أنابيب غاز للطهي".

وتضيف: "منذ الصباح الباكر أذهب مع زوجي لجمع أكبر قدر من قوارير المياه الفارغة وأواني الخردة، ثم نبيعها بمبالغ زهيدة جدًا، نحاول بها شراء ما تيسر من الطعام لأطفالنا".

وبحرقة وألم، تتساءل جارتها فاطمة محمد إبراهيم، عن دور المنظمات الإغاثية المحلية والدولية، في عدن.

وتقول: "نبحث أحيانا عن الطعام في مكبّات القمامة!! فما يراها الناس والأطباء أشياء تالفة متعفنة، نراها نحن صحية، ونعتبرها زادنا اليومي، حالنا كحال الحيوانات".

محمد يحيى، موظف في مكتب التربية والتعليم بالحديدة، وأحد سكان المقبرة، يقول إنه لم يستلم راتبه الشهري منذ عام ونصف، وإنه لم يكن أمامه من خيار في عدن إلا مسح زجاج السيارات للحصول على "فتات من المال" لإطعام أطفاله.

ويضيف يحيى، وهو أب لـ 10 أطفال: "أتابع بانتظار إيداع راتبي عند الجهات المختصة في عدن منذ وصولي إلى المدينة قبل 4 أشهر من الآن، دونما فائدة".

ويتابع: "اضطررت إلى العيش هنا (في المقبرة)، لأنني لا أملك ما أسد به جوع أطفالي"، فيما اعتبر أن "الحصى وأحجار القبور التي نضع عليها رؤوسنا، أكثر لطفا بنا من أبناء جلدتنا".

** المساعدات الإغاثية غائبة

ورغم وجود عشرات المنظمات المحلية والدولية الإغاثية في مدينة عدن، إلا أن نازحي مقبرة "القطيع" لم يتلقوا أي مساعدات إنسانية، باستثناء ما يجود به بعض رجال الخير مما لا يكفي لأكثر من يومٍ واحدٍ.

وفي حديثه للأناضول، يقول عبدالله الحمادي، المسؤول عن النازحين في المقبرة، "لم يصل لنازحي مقبرة القطيع، أية مساعدات من المنظمات الإغاثية أو الحكومة، ولم يلتفت حتى اللحظة أحد لمعاناتهم المتزايدة".

ويوضح قائلًا: "لم يجد هؤلاء النازحين البالغ عددهم ما يقارب ألف شخص، مكانًا يذهبون إليه غير المبيت وسط القبور، معرضين أنفسهم وأطفالهم لمخاطر جمة، فضلا عن ما يلحقونه من أذى بالموتى".

وعن ظروف العيش بين المقابر، يسرد الحمادي: "تنتشر ثعابين وحشرات سامة وبعوض وسط الأشجار والقبور المهدمة، فضلا عن الكلاب الضالة والحمير، لكن ذلك كله لم يمنع هؤلاء من المبيت".

بدوره يعتقد سامي محمد راشد، النازح من مدينة "بيت الفقيه" بالحديدة، أن النازحين في المقبرة "حالهم كحال الموتى وربما أسوأ".

ويضيف للأناضول، قد يكون الميت مرتاحًا في قبره، لكن هؤلاء الموجودين فوق القبور يفتقدون لأبسط مقومات الحياة.

** مخاطر وانتهاك لحرمة الموتى

وإلى جانب ما يتهدد النازحون من مخاطر أبرزها تعرضهم للدغات الثعابين والحشرات السامة وإصابتهم بأمراض نفسية وأخرى مُعدية، فإن وجودهم وسط المقابر وجلوسهم عليها يسبب أذىً بالغا لرفات الموتى.

وبهذا الخصوص يفسّر الشيخ خالد إبراهيم، بأنه لا يجوز - وفق الشريعة الإسلامية - المشي على القبور والجلوس عليها وتعريضها للامتهان.

ويشدّد الشيخ في حديثه للأناضول: "للميت حرمة كحرمة الحيّ"، مستشهدًا بالحديث النبوي الشريف: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر".

وبحسب تقارير لبعض المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان ومشرفين على مخيمات النزوح، فقد تجاوز عدد النازحين في محافظات عدن ولحج وأبين، مائة ألف نازح.

وتضرب اليمن أزمة غذائية حادة فجرت انتقادات واتهامات للتحالف العربي بقيادة السعودية، بالوقوف وراء شبح مجاعة وشيكة تتهدد البلد المهتز منذ سنوات على وقع الحرب.

ولئن اتهمت منظمات حقوقية دولية التحالف بـ"التسبب" بالأزمة، وصعّدت شخصيات بحثية ومحققون صحفيون وخبراء أمميون، انتقاداتهم حد اتهام التحالف باستخدام "التجويع" "استراتيجية" لحسم المعركة ضد الحوثيين، إلا أن تلك الأطراف لم تعف الحوثيين أيضا من مسؤولية مفاقمة الأزمة.

أما التحالف، فيؤكد من جانبه، أنه أولى -منذ بداية عملياته باليمن- العمل الإنساني أهمية كبرى، وخصص مساعدات مالية كبيرة لمواجهة الأوضاع الإنسانية بهذا البلد.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın